أو لم يكن (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ) كراهة ان تحبط (أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) فانّ رفع الصّوت عنده ترك لتعظيمه أو إظهار لتحقيره وكلاهما مورث لحبط العمل ، وورد انّ رسول الله (ص) كان إذا رفع أحد عنده صوته رفع صوته فوق صوته (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) امتحنه اختبره ، وامتحن الله قلبه وسّعه وشرحه ، وللتّقوى علّة لامتحن حصوليّة أو تحصيليّة يعنى لكونهم متّقين وسّع الله قلوبهم وشرحها ، أو لأجل تحصيل التّقوى شرح الله قلوبهم ، أو اختبر الله قلوبهم ، والمؤمن الممتحن هو الّذى شرح الله صدره بنزول السّكينة فيه وظهور ملكوت الامام عليه ولذلك قال علىّ (ع) في حديث المعرفة بالنّورانيّة : انّ من عرفني بالنّورانيّة هو المؤمن الممتحن قلبه للايمان ، ومن امتحن الله قلبه للتّقوى يستشعر مداما بعظمة الله وعظمة رسوله فلا يمكنه رفع الصّوت عند الرّسول (ص) (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) ويجوز ان يكون الوقف على قوله قلوبهم ويكون للتّقوى تعليلا لما بعده (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ولذلك لا يعظّمونك ويجعلونك مثل واحد منهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تقوية لجهة الرّجاء ، في المجمع : نزل قوله : يا ايّها الّذين آمنوا (الى قوله) غفور رحيم في وفد تميم وهم أشراف بنى تميم في وفد عظيم ، فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله (ص) من وراء الحجرات ، ان اخرج إلينا يا محمّد ، .. فأذي ذلك رسول الله (ص) فخرج إليهم فقالوا : جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا ، فاذن رسول الله (ص) فقام خطيبهم اوّلا وخطب ، فقال رسول الله (ص) لثابت بن قيس : قم فأجبه ، فقام وخطب أحسن من خطيبهم ، ثمّ قام شاعرهم وأجابه حسّان بن ثابت ، فلمّا فرغوا قال الأقرع بن حابس الّذى كان من اشرافهم : هذا الرّجل خطيبه اخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا ، وأصواتهم أعلى من أصواتنا ، فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله (ص) فأحسن جوائزهم وأسلموا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) نزلت الآية في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله (ص) في صدقات بنى المصطلق فخرجوا يتلقّونه فرحا به وكانت بينهم عداوة في الجاهليّة فظنّ انّهم همّوا بقتله فرجع الى رسول الله (ص) وقال : انّهم منعوا صدقاتهم فغضب النّبىّ (ص) فنزلت الآية ، وقيل : نزلت في عائشة حين رمت مارية القبطية بجريح القبطىّ ، فدعا رسول الله (ص) عليّا (ع) وقال : يا أخي خذ هذا السّيف ان وجدته عندها فاقتله ، فقال : يا رسول الله (ص) أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسّكّة المحماة امضى لما أمرتني أم الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فقال : بل الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب ، قال علىّ (ع) فأقبلت متوشّحا بالسّيف فوجدته عندها فاخترطت (١) السّيف فلمّا عرف انّى أريده أتى نخلة فرقى إليها ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر (٢) برجليه فاذا انّه أجبّ امسح ، ماله ما للرّجال ، فرجعت فأخبرت النّبىّ (ص) فقال : الحمد لله الّذى يصرف عنّا السّوء أهل البيت ، والمعنى ان جاءكم جنس الفاسق الخارج عن طاعة الله ورسوله أو جاءكم فاسق واحد فتبيّنوا الخبر وتجسّسوا صدقه وكذبه ، وقد مضى مكرّرا انّ مفهوم المخالفة غير معتبر في المخاطبات خصوصا في الأحكام فليس المقصود ان جاءكم عادل فاعملوا ولا تبيّنوا ، ولا ان جاءكم فاسقان فلا تبيّنوا واعملوا ، فمن اعتبر المفهوم وقال : خبر العدل الواحد حجّة باعتبار مفهوم مخالفة هذه الآية لا يصغي اليه (أَنْ تُصِيبُوا) كراهة ان تصيبوا (قَوْماً بِجَهالَةٍ) بحالهم (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فتبيّنوا الاخبار بالعرض عليه واستأذنوه في العمل بها حتّى لا تصيروا نادمين على فعلكم ، أو هو تمهيد لما بعده كأنّه قال : انّ هذا الّذى هو فيكم هو رسول الله (ص) اعتبارا للوصف العنوانىّ (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) ويطرح امر الله وحكمه (لَعَنِتُّمْ)
__________________
(١) اخترط السّيف استله.
(٢) اى دفع ..