لتعبتم أو هلكتم وهو ردّ لما أشار اليه بعضهم من الإيقاع ببني المصطلق (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ) استدراك لما توهّم من انّهم أرادوا ان يحملوا رسول الله (ص) على طاعتهم كأنّه قال لكنّ الله حبّب (إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) فلا تريدون حمل الرّسول (ص) على اتّباعكم والمراد بالايمان علىّ (ع) ، أو قبول ولايته ، أو محمّد (ص) ، أو قبول رسالته الّذى هو الإسلام (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) جواب لسؤال مقدّر وصرف للخطاب عن المؤمنين والجملة معترضة أو غير معترضة (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) مفعول له لحبّب وكرّه أو تعليل للرّاشدون بتقدير اللّام لعدم صحّة جعله مفعولا له للرّاشدون لعدم اتّحاد المرفوع وقد تكرّر تفسير الفضل بمحمّد (ص) ورسالته واحكام رسالته وقبول رسالته ، وتفسير النّعمة بعلىّ (ع) وولايته وآثار ولايته وقبول ولايته (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالكم ودقائق ما يصلحكم ولذلك زيّن الايمان في قلوبكم وكرّه الكفر (حَكِيمٌ) لا يفعل ما يفعل الّا لغاية محكمة متقنة (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) اى المسلمين (اقْتَتَلُوا) بيان لادب المعاشرة (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) بالرّجوع الى الرّسول وما حكم به (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) لمّا كان الإصلاح بعد الأمر بالمقاتلة مع الباغين مظنّة للحيف قيّده بالعدل ، أو المراد انّ الإصلاح كما يكون باستيفاء جميع الحقوق من الطّرفين يكون بإسقاط بعض الحقوق والإغماض عن بعض فقيّده بالعدل للاشعار بانّ الإصلاح ينبغي ان يكون باستيفاء الحقوق (وَأَقْسِطُوا) في جميع الأمور حتّى في العبادات فلا تضيّقوا على أنفسكم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) قيل : نزلت في قتال وقع بين الأوس والخزرج في عهد الرّسول (ص) بالسّعف والنّعال ، وعن الصّادق (ع) لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص) : انّ منكم من يقاتل بعدي على التّأويل كما قاتلت على التّنزيل ، فسئل من هو؟ ـ قال : خاصف النّعل يعنى أمير المؤمنين (ع) فقال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه الآية مع رسول الله (ص) ثلاثا وهذه الرّابعة والله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا السّعفات من هجر لعلمنا انّا على الحقّ وانّهم على الباطل ، وكانت السّيرة فيهم من أمير المؤمنين (ع) ما كان من رسول الله (ص) في أهل مكّة يوم فتح مكّة فانّه لم يسب لهم ذرّيّة وقال : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن القى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار ابى سفيان فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين (ع) يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرّيّة ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تتبعوا مدبرا ، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) قد مضى في سورة البقرة وفي سورة النّساء وجه كون المؤمنين اخوة عند قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وذكر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ليكون تمهيدا وتعليلا ورفعا لكلفة التّكليف بالإصلاح لقوله تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وهذا اعمّ من سابقه فانّ المراد هاهنا انّه إذا وقع اختلاف بين المؤمنين سواء بلغ الى حدّ المقاتلة أو لم يبلغ فأصلحوا بينهما (وَاتَّقُوا اللهَ) وسخطه في الحيف والميل الى أحد الطّرفين (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) على إصلاحكم وعدم ميلكم ، أو لعلّكم ايّها المتخالفون والمصلحون جميعا ترحمون (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أدب آخر ولمّا كانت السّخريّة من الخلق سجّيّة لاكثر النّاس وتركها كان صعبا صدّره بالنّداء جبرانا لكلفته (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا) اى القوم المسخور منهم (خَيْراً مِنْهُمْ) اى من السّاخرين (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) قال القمّىّ : نزلت في صفيّة بنت حىّ بن اخطب وكانت زوجة رسول الله (ص)