(أَمْ يَقُولُونَ) التفات من الخطاب (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) بل أيعتمدون على جماعتهم وعصابتهم ويقولون : نحن متّفقون ومنتصرون ممّن أراد بنا سوء ولو كان المريد الله أو الملائكة ، ووحّد منتصرا لملاحظة لفظ جميع فانّه مفرد في اللّفظ كالكلّ وان كان معناه جمعا ، وللاشارة الى انّ الجماعة المتّفقة تكون كالرّجل الواحد ، أو الضّمير لكلّ واحد اى نحن جميع ومنتصر كلّ واحد منّا ممّن يخالفنا فكيف بجماعتنا (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) ان كانوا متّكلين على جماعتهم والمراد انّهم سيهزمون في القيامة أو في الدّنيا يوم بدر (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ) المناسب لهذا الاضراب ان يكون المراد بهزيمتهم هزيمتهم في الدّنيا يعنى انّهم يهزمون في الدّنيا بل السّاعة اى القيامة أو ساعة الموت (مَوْعِدُهُمْ) والّذى لهم في الدّنيا من العذاب أنموذج من عذاب السّاعة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى) اشدّ (وَأَمَرُّ) بل شدّة السّاعة ومرارته لا تقاس بعذاب الدّنيا (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) في الدّنيا (وَسُعُرٍ) في الآخرة أو كلاهما في الآخرة أو كلاهما في الدّنيا ، ويكون المراد بالسّعر الجنون (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) حال أو مستأنف بتقدير القول ، وسقر علم لجهنّم ، وعن الصّادق (ع) انّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكا الى الله شدّة حرّه وسأله ان يأذن له ان يتنفّس ، فتنفّس فأحرق جهنّم (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) بقدر مخصوص من أمد بقائه واجله وكيفيّة بقائه ، أو بسبب عالم القدر ، أو بتقديرنا له في عالم القدر ، عن الصّادق (ع) انّ القدريّة مجوس هذه الامّة وهم الّذين أرادوا ان يصفوا الله بعد له فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآيات يوم يسحبون (الى قوله) بقدر (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) رفع توهّم نشأ من قوله كلّ شيء خلقناه بقدر فانّه يتوهّم متوهّم انّه إذا كان كلّ شيء خلقه بقدر لم يتيسّر ذلك الّا بعمّال عديدة يكون تحت كلّ عامل عدّة عامل ، فقال : ما أمرنا في خلق العالم وجميع ما فيه الّا واحدة اى فعلة واحدة ، أو كلمة واحدة ، أو نشأ من قوله بل السّاعة موعدهم فانّه يتوهّم انّه إذا كان السّاعة موعدهم فليكن أمد السّاعة بقدر أمد الدّنيا بل أطول منه فقال : وما أمرنا في الإتيان بالسّاعة وجمع الخلائق فيها ومحاسبتهم الّا واحدة (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) في اليسر والسّرعة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أمثالكم من منكري الرّسالة وتوحيد الله (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متّعظ بتذكّر أحوالهم (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) اى الألواح العالية أو صحف الأعمال فلا يفوت شيء منها ومنّا (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الذّوات والأعمال والاعراض (مُسْتَطَرٌ) قبل خلقته في الأقلام العالية واللّوح المحفوظ والألواح القدريّة ، أو بعد خلقته في صحائف نفوسهم وفي صحف الكرام الكاتبين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) النّهر بالسّكون والنّهر بالتّحريك مجرى الماء (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) الصّدق على الإطلاق هو استقامة الإنسان في جميع ما يقتضيه انسانيّته وتمكّنه فيه من الخروج عن جميع الحدود والدّخول في مقام الإطلاق والاتّصاف بجميع الصّفات الالهيّة ، والتّمكّن في كلّ ذلك ، واضافة المقعد الى الصّدق امّا من قبيل اضافة السّبب الى المسبّب ، أو المسبّب الى السّبب ، أو من قبيل لجين الماء ، أو بيانيّة ، فانّ الصّدق هو محلّ السّكون والاطمينان للإنسان ، وتنكير الصّدق للتّفخيم وفي مقعد صدق امّا خبر بعد خبر ، أو خبر ابتداء وفي جنّات حال أو متعلّق بقوله في جنّات (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).