سورة الرّحمن
مكّيّة وقيل : غير آية يسأله من في السّموات والأرض ، وقيل : مدنيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الرَّحْمنُ) اقتضاء جعله آية برأسه ان يكون خبرا لمبتدء محذوف وقد مضى في اوّل الفاتحة انّ الرّحمن اسم خاصّ بصفة عامّة ، وانّ الرّحمة الرّحمانيّة تقتضي وجود الأشياء بكمالاته الاوّليّة وبقاءها ، وانّ الرّحمة الرّحيميّة تقتضي الكمالات الثّانية اللّاحقة للأشياء الصّاعدة ، ولمّا كان تعليم القرآن الّذى هو افاضة الوجود الّذى هو إضافته الاشراقيّة على جميع الموجودات ، وخلق الإنسان وتعليمه البيان الّذى هو تمام ذاته بالنّطق الّذى هو فصله الأخير من اقتضاء صفته الرّحمانيّة أتى في اوّل هذه السّورة بالرّحمن (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) خبر للرّحمن ، أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) تعداد لأصول النّعم الّتى هي إيجاد كلّ موجود وإيجاد كمالاته الاوّليّة وذكر خلق الإنسان بعد تعليم القرآن من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام به ، وذكر تعليم البيان الّذى هو الكمال الاوّل للإنسان المندرج في خلق الإنسان للامتنان والاهتمام بهذا البيان فانّ الإنسان غاية اخيرة لخلق العالم ، والبيان وان كان كمالا اوّليّا للإنسان لكنّه باعتبار إطلاقه غاية اخيرة للإنسان (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) اقتضاء جواز حمل السّابقة والآتية على الرّحمن ان يكون هذه الجملة أيضا جائزة الحمل عليه فليقدّر بحسبان عنده يعنى انّ خلقهما وجريانهما ليس الّا بمقدار خاصّ وميزان مخصوص لا يتجاوز انه لانّ نظام العالم وانتظام معاش بنى آدم منوط بانتظامهما فكونهما بحسبان من النّعم كما انّ وجودهما من نعم الإنسان ، وإذا أريد بالشّمس والقمر روح الإنسان ونفسه فكونهما من نعمه بل اجلّ نعمائه واضح (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) النّجم النّبات الّذى لا ساق له ، والشّجر ما له ساق ، أو المراد بالنّجم كواكب السّماء ، وسجودهما عبارة عن انقيادهما للنّفس المربيّة المنمية لهما ، أو عبارة عن سجود جهتهما الملكوتيّة لله وتسبيحهما بألسنتهما الملكوتيّة الفصيحة ، أو المراد بالنّجم والشّجر قوى النّفس الانسانيّة من الحسّاسة والمحرّكة فانّها ساجدة للنّفس ، وسجدتها للنّفس سجدتها لله تعالى ـ شأنه والتّقدير هاهنا يسجدان لله (وَالسَّماءَ) اى سماء عالم الطّبع وسماء الأرواح وسماء روح الإنسان وسماء الولاية (رَفَعَها) بحيث لا يبلغ أبصاركم الى ما هي عليه (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) قد سبق انّه لا اختصاص للميزان بذي الكفّتين بل كلّما يوزن ويقاس به شيء آخر هو ميزان لذلك الشّيء فالميزان ذو الكفّتين والقبان والكيل والزّرع وخيوط البنّائين وغيرها من المحسوسات الّتى يقاس بها أشياء أخر موازين ، وشريعة كلّ نبىّ ميزان لامّته كما انّ ولاية كلّ ولىّ وخلافته لنبيّه ميزان لاتباعه في أعمالهم ، والنّفوس الانسانيّة والعقول المعاشيّة والعقول المعاديّة موازين للأعضاء والقوى والأعمال وتمييز الأشياء بأوصافها ، وميزان الكلّ هو الولاية بوجهها الى عالم الكثرات (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) ان تفسيريّة ولا ناهية أو مصدريّة ، ولا ناهية أو نافية وان كانت نافية فالخبر يكون في معنى النّهى ليصحّ عطف الإنشاء عليه ، والمراد بالطّغيان في الميزان التّجاوز عن حدّ الاعتدال الى الإفراط كما انّ قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ)