هذه الآية مع بيانها في سورة الأعراف (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) قد مضى الآية ببيانها في اوّل سورة السّبا (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) معيّة قيّوميّة لازمة لرحمته الرّحمانيّة فانّه تعالى بوجوده الفعلىّ كلّ الأشياء وقوامها وفعليّتها واوّلها وآخرها وظاهرها وباطنها وهو تهديد وترغيب (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تتميم للتّهديد والتّرغيب (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تأكيد في مقام المدح فانّ التّأكيد والتّكرير مطلوب في مقام المدح والرّضا ، وفي مقام الذّمّ والغضب ، والاوّل في مقام التّعليل لتسبيح الأشياء والثّانى في مقام التّعليل لاحاطة علمه بالأشياء وتتميم لتهديده وترغيبه (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) قد مضى الآية في سورة آل عمران (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) من النّيّات والخطرات والخيالات والحالات والسّجيّات ، أو من القوى والاستعدادات الّتى لا خبر لصاحبي الصّدور عنها (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) بمنزلة النّتيجة للسّابق كأنّه قال : إذا علمتم ذلك فلا عذر لكم في الانصراف عن الله وعن رسوله (ص) ، أو لا عذر لكم في الانصراف عن الله ورسوله (ص) في الخروج عن قولهما في ولاية علىّ (ع) فآمنوا بالله وصدّقوه فيما قاله لكم من مطلق الأوامر والنّواهى ، أو فيما قاله لكم من ولاية علىّ (ع) وآمنوا برسوله (ص) بالبيعة العامّة أو البيعة الخاصّة ، أو صدّقوه فيما قاله لكم من الأحكام أو من ولاية علىّ (ع) ، ولمّا كان الخطاب من الله تعالى عامّا للموجودين المسلمين وغير المسلمين والمعدومين فكان لفظ آمنوا أيضا عامّا وشاملا للإذعان والتّصديق والبيعة الاسلاميّة العامّة والبيعة الايمانيّة الخاصّة كأنّه قال : ايّها الكفّار والمستعدّون للإسلام من الموجودين والمعدومين آمنوا بالله ورسوله (ص) بالبيعة العامّة على يد رسوله (ص) ، وايّها المسلمون أذعنوا وصدّقوا الله ورسوله (ص) فيما قال الرّسول (ص) لكم من مطلق الأحكام أو ولاية علىّ (ع) وآمنوا بالبيعة الخاصّة الولويّة بالله ورسوله (ص) على يد رسوله (ص) أو على يد خليفته ، وقد مضى في اوّل البقرة معاني الايمان (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) من الأموال الدّنيويّة والاعراض والحشمة والأعضاء والقوى ومن نسبة الأفعال والأوصاف الى أنفسكم ومن انانيّاتكم وللاشعار بانّ ما لكم من جميع ذلك انّما هو عارية لكم وشأن العارية ان يستردّ حتّى يسهل عليكم إنفاقه قال مستخلفين (فَالَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة أو البيعة الخاصّة (مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) وعد الأجر الكبير للاشعار بانّ المنظور من الايمان البيعة الخاصّة الولويّة فانّ الأجر الكبير ليس الّا على الولاية الحاصلة بالبيعة الخاصّة (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) لا تذعنون أو لا تسلمون بالبيعة العامّة النّبويّة أو لا تؤمنون بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) المطلق الّذى هو ربّ الأرباب ، أو بربّكم في الولاية وهو علىّ (ع) (وَقَدْ أَخَذَ) الله (مِيثاقَكُمْ) في عالم الذّرّ بالايمان بالله أو بالبيعة مع محمّد (ص) أو بالبيعة مع علىّ (ع) وقد أخذ الرّسول (ص) ميثاقكم بعدم التّخلّف عن قوله في البيعة العامّة ، وقرئ بالبناء للمفعول (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) اى مصدّقين مذعنين أو بائعين البيعة العامّة الاسلاميّة وجوابه محذوف بقرينة السّابق اى ان كنتم مؤمنين فما لكم لا تؤمنون بعلىّ (ع) بالبيعة الخاصّة الولويّة وقد أخذ الرّسول (ص) ميثاقكم على عدم التّخلّف عن قوله (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) الّذى هو الرّسول (ص) الدّاعى لكم الى الايمان بعلىّ (ع) (آياتٍ بَيِّناتٍ) من الآيات القرآنيّة والمعجزات النّبويّة (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) اى من ظلمات المادّة والشّبهات والشّكوك والاهوية والتّعلّقات الى