والملل الالهيّة صورها ولهذا ورد عن الصّادق (ع) في هذه الآية الكتاب الاسم الأكبر الّذى يعلم به علم كلّ شيء الّذى كان مع الأنبياء (ع) قال : وانّما عرف ممّا يدعى كتاب التّوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم (ع) فأخبر الله عزوجل (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (ع) فأين صحف إبراهيم؟ انّما صحف إبراهيم (ع) الاسم الأكبر وصحف موسى (ع) الاسم الأكبر (وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الميزان كلّما يقاس به شيء آخر من ذي الكفّتين والقبان وخيوط البنّائين وسيرة السّلاطين في سلطنتهم واحكام الشّرائع القالبيّة الملّيّة والعقل والرّسول والرّسالة والولىّ والولاية والكتب السّماويّة ، لكنّ الميزان الّذى يقوم النّاس به بالقسط هو الولاية وقبولها وأحكامها وولىّ الأمر فانّ كلّما سواها ميزان لقيام النّاس بالقسط بشرط اتّصاله بها ، فالمراد بالكتاب الّذى مع الرّسل هو النّبوّة والرّسالة وهما الاسم الأكبر الّذى كلّ شيء فيه وشرائع الرّسل وكتبهم صورتهما ، والمراد بالميزان هو الولاية الّتى نزلت من مقامها العالي الى بشريّة الرّسل وظهرت بعدهم في أوصيائهم ليقوم النّاس بها بالقسط ، ولمّا كانت الولاية الّتى هي ميزان العدل والنّبوّة والرّسالة اللّتان هما ميزانان بالولاية من أعظم أسباب قيام النّاس بالقسط أتى بهذه الغاية قبل ذكر الحديد وأضاف الحديد بعدها فقال (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) يعنى مع الرّسل أو مطلقا لكن لمّا كان المنظور من ذكر الحديد ترتّب غاية نصرة الرّسل عليه وعلى ما سبقه فالاولى ان يقال : وأنزلنا الحديد مع الرّسل ، ومعنى إنزال الحديد مع انّه يتكوّن في المعادن إيجاده ، أو المقصود انّ كلّ موجود في هذا العالم كان موجودا في عالم المثال وفي العوالم الّتى فوقه ثمّ نزل من تلك العوالم الى عالم الكون والفساد (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) كما يرى من قطع الأعضاء والمفاصل من الحيوان به وقطع حيوة الحيوان والإنسان به (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لانّ منه آلات أكثر الصّنّاع والصّنائع (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) حالكون النّاصر بالغيب من الله ، أو حالكون الله بالغيب من النّاصر ، أو هو ظرف لينصره وقوله تعالى ليعلم عطف على قوله ليقوم النّاس وقد مضى وجه تأخيره عن نزول الحديد (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) لا حاجة له الى نصرتكم لانّه قوىّ يقدر على كلّ ما أراد عزيز لا مانع له من مراده ولا غالب عليه وانّما أراد اختباركم بذلك وامتياز الكافر والمنافق من المؤمن الموافق (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) عطف على قوله لقد أرسلنا عطف التّفصيل على الإجمال (نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) اى الرّسالة (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) في غاية الاهتداء كالأنبياء والأولياء (ع) أو في أواسط الاهتداء كسائر المؤمنين (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) لم يقل في مقابل منهم مهتد ومنهم فاسق للاشارة الى الغلبة في جانب الضّلالة (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) من أنبياء بنى إسرائيل وموسى (ع) وشعيب (ع) (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) بالنّسبة الى دين موسى (ع) لا انّهم ابتدعوها في الدّين حتّى تكون بدعة ، والرّأفة اشدّ الرّحمة أو ارقّها أو ما يظهر اثره في الظّاهر ، والرّحمة ما لا يظهر اثره في الظّاهر أو بالعكس ، والرّهبانية والرّهبة مصدرا الرّاهب واحد رهبان النّصارى الّذين كانوا ينقطعون عن النّاس ويلبسون المسوح ويتعبّدون في الجبال وفي الخلوات (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) اى ما القيناها في قلوبهم (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) اى الّا لابتغاء رضوان الله أو في حال ابتغاء رضوان الله فانّه لا يجوز ان يكون مفعولا له لكتبنا أو المعنى انّهم ابتدعوها وما فرضناها عليهم أصلا ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فيكون الاستثناء