ما ذكر في نزول الآية ليعلم أهل الكتاب اى اليهود والنّصارى (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) قيل في نزوله : انّ رسول الله (ص) بعث جعفرا في سبعين راكبا الى النّجاشىّ يدعوه فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به ، فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلا : ائذن لنا فنأتي هذا النّبى فنسلّم به فقدموا مع جعفر فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله (ص) وقالوا : يا نبىّ الله انّ لنا أموالا ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فان أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها ، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فانزل الله فيهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) (الى قوله) (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فلمّا سمع أهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قوله أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا فخروا على المسلمين فقالوا : يا معاشر المسلمين امّا من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله أجران ، ومن آمن منّا بكتابنا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ ـ فنزل قوله تعالى : يا ايّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وآمنوا برسوله (الآية) فجعل لهم أجرين وزادهم النّور والمغفرة يعنى جعلنا لمن آمن بمحمّد (ص) واتّقى أجرين ، ليعلم أهل الكتاب انّهم لا يقدرون على شيء من فضل الله (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ولكن نقول على ما ذكر من الفرق بين الإسلام والايمان والملّة والدّين وانّ المراد بقوله : يا ايّها الّذين آمنوا يا ايّها الّذين أسلموا بقبول الدّعوة الظّاهرة والبيعة العامّة وانّ قوله آمنوا امر بالايمان الحقيقىّ وقبول الدّعوة الباطنة بالبيعة الخاصّة الولويّة يجوز ان يراد باهل الكتاب أهل الملّة سواء كان بنحو النّحلة أو بقبول الرّسالة بالبيعة العامّة وسواء كانوا أهل ملّة محمّد (ص) أو أهل سائر الملل وان لا يكون لا في قوله لئلّا يعلم أهل الكتاب زائدة ، ويكون تعليلا للقول المستفاد من قوله : آمنوا برسوله بالبيعة الخاصّة يعنى قلنا آمنوا برسوله بقبول الدّعوة الباطنة لانّ القانعين بالبيعة الاسلاميّة الّذين كانوا أهل كتاب الرّسالة لا يعلمون انّهم لا يقدرون على شيء من فضل الله بل يظنّون انّهم قادرون على فضل الله الظّاهر من اموال الدّنيا وفضل الله الباطن من درجات الايمان ومقامات الرّسالة والنّبوّة والولاية كما كنّا نسمع من بعض يقول : إذا خلونا أربعين يحصل لنا كثير من المراتب الغيبيّة ، وإذا آمنتم بالرّسول (ص) بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبلتم الولاية ظهر لكم قصوركم وانّكم لا تقدرون على شيء من فضل الله وبذلك تتدرّجون في نقصان الانانيّة الّتى هي أعظم المعاصي في الطّريق ، وإذا لم تعلموا ذلك تتدرّجون في ازدياد الانانيّة.
الجزء الثّامن والعشرون
سورة المجادلة
مدنيّة ، احدى وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) نزلت في امرأة من الأنصار اسمها خولة وزوجها أوس بن الصّامت وكانت امرأة حسن الجسم فأرادها