بأيديهم ضنّة بها على المسلمين وإخراجا لآلاته النّفسية وتوسعة للقتال ومجالة مع المسلمين وتحصّنا بأطرافها الّتى تليهم بجمع آلات الأطراف الّتى تلى المسلمين في الأطراف الّتى تليهم (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) فانّ المؤمنين أيضا كانوا يخربون الأطراف الّتى تليهم من بيوتهم لتوسعة القتال وإمكان الوصول إليهم ، ولمّا كانوا سببا لقتال المسلمين بنقض العهد نسب الاخراب بأيدي المؤمنين إليهم ، وقرئ يخرّبون بتشديد الرّاء (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فاتّعظوا بحالهم فانّ الاعتبار عبارة عن ان ينظر الرّجل الى امر حسن أو الى امر قبيح وان ينظر الى عاقبته وما يترتّب عليه ثمّ عطف النّظر الى نفسه فارتدع عن القبيح ورغب في الحسن ، وتمسّك بعض من اعتبر القياس بمثل هذه الآية ولا يخفى عدم دلالتها على اعتبار القياس (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) مثل بنى قريظة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) يعنى انّ عذاب النّار ثابت لهم في الآخرة وان لم يعذّبوا في الدّنيا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) عاندوا الله ورسوله (ص) ونبذوا عهده (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) في الدّنيا والآخرة يعنى يعاقبه بشدّة العقوبة لانّ الله شديد العقاب (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) اللّينة اردء التّمر ، أو ما كان أجناسا غير معروفة ، ونسب الى الصّادق (ع) انّه قال : يعنى العجوة وهي امّ التّمر وهي الّتى أنزلها الله من الجنّة لآدم (ع) (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) جواب عمّا قالوا : يا محمّد انّ الله يأمرك بالفساد؟! حين قطع النّخل (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) بغيظهم وحسرتهم على قطع نخيلهم في حضورهم (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) اى ردّه اليه.
اعلم ، انّ تمام ما سوى الله مملوك للحقّ تعالى شأنه نحو مملوكيّة القوى العلّامة والعمّالة للنّفس الانسانيّة بل نحو مملوكيّة الصّور الذّهنيّة للنّفس الانسانيّة وانّ الإنسان كلّما رقى مرتبة من المراتب الانسانيّة كان المرتبة الدّانية في عين مملوكيّته خليفة للمرتبة العالية مثلا إذا عرج الإنسان عن مقام النّفس الى مقام القلب صار مقام النّفس مملوكا للقلب وخليفة له في التّصرّف في القوى ، وصارت القوى كما انّها مملوكة للقلب مملوكة للنّفس بعد القلب وهكذا ، وانّ الله تعالى مالك لجميع ما سواه وبعده تعالى العقول مالكة لما دونها ، وبعدها النّفوس الكلّيّة مالكة ، وبعدها النّفوس الجزئيّة مالكة ، هذا في النّزول ، وامّا في الصّعود وهو مختصّ بالإنسان ، فاذا استكمل الإنسان واتّصل بعالم الملأ الا على صار مالكا لما دونه وخليفة لله فيما دونه فكلّما في عالم الطّبع فهو لله ، وما كان لله فهو لرسوله (ص) ، وما كان لرسوله (ص) فهو للائمّة (ع) ، وما كان للائمّة (ع) فهو مباح لشيعتهم كما قال تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، وما كان في أيدي الأغيار فهو مغصوب في أيديهم ، وما اخذه الرّسول (ص) والائمّة (ع) والمؤمنون منهم فهو حقّهم الّذى كان مأخوذا منهم غصبا وصار عائدا الى اهله الّذين كانوا مالكين له ولذلك سمّى فيئا (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) وجف يجف اضطرب ، والوجيف ضرب من سير الخيل والإبل (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) الخيل جماعة الافراس لا واحد له ، أو واحده الخائل ، ويطلق على جماعة الفرسان ، والرّكاب ككتاب الإبل واحدتها الرّاحلة ، قيل : نزلت هذه الآية في غنائم بنى النّضير والآية الآتية في سائر اموال الكفّار الّتى يفيئها الله على رسوله (ص) ، وقيل : كلتاهما نزلتا في غنائم بنى قريظة وبنى النّضير كانوا بقرب المدينة فمشوا الى قراهم سوى الرّسول (ص) فانّه ركب حمارا أو جملا ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منها شيئا الّا رجلين أو ثلاثة وفي غنائم خيبر وفدك ، وقرى عرينه وينبع ، والآية الاولى لبيان عدم استحقاق