وينظرون الى قساوتهم ويتدبّرون في تليين قلوبهم (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كلام منقطع عن سابقه والمنظور إثبات التّوحيد الّذى هو المنظور من كلّ منظور ومبدء كلّ مبدء وغاية كلّ غاية والثّناء عليه وتعداد محامده (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) اى عالم بما غاب عن الخلق وبما كان مشهودا لهم ، أو عالم بعالم الغيب وعالم الشّهادة (هُوَ الرَّحْمنُ) المفيض للوجودات وللكمالات الاوّليّة على الموجودات (الرَّحِيمُ) المفيض للكمالات الثّانويّة عليها ، أو الرّحمن هو المفيض لاصل الوجود وجميع كمالاته على الأشياء والمفيض للوجود وكمالاته الاولويّة على الإنسان ، والرّحيم هو المفيض للكمالات الثّانية على الإنسان وقد سبق معناهما مفصّلا في سورة فاتحة الكتاب (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لمّا كان المنظور التّوحيد وتعداد المحامد أتى بهذه الجملة بدون العاطف بنحو التّعداد ، وفي هذه اشارة الى تعليل السّابق وهو باعث لترك العاطف أيضا وهي تأكيد للأولى وهو أيضا باعث لترك العاطف (الْمَلِكُ) الّذى يتصوّر كونه ملكا بتصوير كون النّفس ملكا لقواها بل لصورها الذّهنيّة وبذلك يثبت كونه رحمانا رحيما وكونه عالما بالغيب والشّهادة (الْقُدُّوسُ) الّذى كان منزّها عن الكثرات ، ونسبة الأفعال والصّفات ، ولحاظ تلك النّسب والحيثيّات ، وقد مضى في اوّل البقرة عند قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) بيان وتفصيل للتّسبيح والتّقديس ، وقرئ قدّوس بفتح الفاء وهما لغتان فيه والصّيغة للمبالغة مثل سبّوحا مفتوحا ومضموما (السَّلامُ) السّالم من كلّ نقص وعيب ومن كلّ أنحاء الكثرات والحدود والنّسب والإضافات الّا في اعتبار المعتبرين ، والسّالم من تمسّك به من كلّ اثم وذنب وخطاء ، والسّالم من خاف منه من كلّ امر مخوف ، والسّالم عباده من ظلمه (الْمُؤْمِنُ) الّذى آمن خلقه عن ظلمه ، أو آمن خلقه من المخوفات ، أو جعل عباده أمناء ، أو امن بنفسه قبل ايمان خلقه ، أو دعا خلقه الى الايمان به (الْمُهَيْمِنُ) هيمن قال أمين مثل أمّن ، وهيمن الطّائر على فراخه رفّ ، وهيمن على كذا صار رقيبا عليه ، والمهيمن من أسمائه تعالى بمعنى المؤتمن ، أو من آمن غيره من الخوف ، أو الأمين ، أو الشّاهد ، أو الرّقيب ، وقيل : هو مؤامن بهمزتين قلبت الثّانية ياء ثمّ الاولى هاء (الْعَزِيزُ) الغالب الّذى لا يغلب أو ذو المناعة والتّأنّف (الْجَبَّارُ) الّذى يجبر كلّ كسر ونقص وقصور وتقصير من عباده ، أو من سائر خلقه ، أو العظيم الشّأن ، أو الّذى يذلّ من دونه ولا تناله يد غيره (الْمُتَكَبِّرُ) البالغ في كبره بحيث لا يبقى عنده جليل ولا حقير (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) من الأصنام والكواكب والعناصر وسائر المواليد لعدم بقاء شيء عند كبره (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) تعداد للمدائح وتعليل للسّابق ، والخالق هو الّذى أوجد مادّة الشّيء اوّلا ، والبارئ هو الّذى سوّاه وأوجده على ما ينبغي ، والمصوّر هو الّذى يعطى كلّه وكلّ اجزائه صورا لائقة بحالها (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الاسم كما سبق في اوّل الفاتحة وفي اوّل البقرة عند قوله : (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) للاختصاص له بالاسم اللّفظىّ بل كلّما يدلّ على شيء آخر هو اسم لذلك الشّيء سواء كان دلالته وضعيّة أم طبعيّة أم عقليّة ، وسواء كان الدّالّ لفظا أو معنى أو ذاتا جوهريّا ، والاسم الحسن هو الّذى لا يكون في إطلاقه على الله وفي دلالته عليه شوب نقص وعدم وحدّ ، وهذه العبارة تفيد بتقديم له ومعناه حصر الأسماء الحسنى فيه وذلك لحصر الصّفات العليا فيه ، وبمفهوم مخالفة الصّفة تفيد عدم جواز اطلاق الأسماء السّوءى عليه ، والأسماء السّوءى ما كان دلالته أو إطلاقه عليه تعالى مستلزما للنّقص والحدّ ، والجملة في مقام التّعليل لاتّصافه تعالى بالأسماء السّابقة ، وقد مضى في سورة الأعراف عند قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) تفصيل لهذه العبارة (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لمّا كان السّورة لبيان توجّه الأشياء اليه تعالى ، وتوجّهه