(وَاللهُ عَلِيمٌ) بالمصالح والغايات المترتّبة على الأفعال والأحكام (حَكِيمٌ) لا يفعل فعلا الّا بغايات محكمة نافعة ولا يحكم حكما الّا لمصالح عديدة وغايات شريفة (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ) اى واحدة (مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) اى راجعة الى الكفّار (فَعاقَبْتُمْ) اى فأصبتم من الكفّار عقبى اى غنيمة (فَآتُوا) ايّها المؤمنون (الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) من الغنيمة الّتى أصبتم أو المعنى فعاقبتم على نساء أخر فأتوا ايّها المؤمنون من بيت مال المسلمين الّذين ذهبت أزواجهم ما أنفقوا ، وقيل : عاقبتم الكفّار لسبى النّساء منهم أو بأخذ الغنيمة أو بإتيان النّساء منهم إليكم مؤمنات (وَاتَّقُوا) ايّها المؤمنون من عدم إعطاء ما أنفقوا (اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) قيل : كانت لحق المشركين من نساء المؤمنين ستّ نسوة فأعطى النّبىّ (ص) أزواجهنّ مهورهنّ (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) خصّ الخطاب والنّداء به لاختصاص الحكم به فانّه كان يأخذ البيعة من الرّجال والنّساء دون غيره (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) اى المذعنات أو المشرفات على الإسلام (يُبايِعْنَكَ) لمّا كان زمان بعثة الرّسول (ص) زمان فترة من الرّسل (ع) واندراس من أحكامهم وكان النّاس بالأخذ من الآباء والمعلّمين منتحلين لملّتهم وكان البيعة الّتى كانت أصل جملة الخيرات ولم يكن شريعة ولم يصدق ملّة الّا بها مندرسة ممحّوا أثرها من الأذهان ، بل كانت غريبة في انظارهم مستهجنة في عقولهم الجزئيّة وكان الرّجال بعد مشاهدة هذه الفعلة من الرّسول (ص) وأخذ البيعة من كلّ من أراد الإسلام أيقنوا انّهم إذا أرادوا الإسلام وجب عليهم هذه الفعلة ، وامّا النّساء فكأنّه خفىّ عليهنّ وجوبها وكأنّهنّ اعتقدن انّ الإسلام بان يقلن : لا اله الّا الله ، محمّد رسول الله (ص) ، ولم يعلمن انّ الإنسان بهذه الكلمة في أمان فامّا الإسلام فلا يتحقّق الّا بالبيعة أظهر الله تعالى كيفيّة بيعتهنّ تعريضا بوجوبها عليهنّ أيضا (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) من الأشياء أو لا يشركن شيئا من الإشراك (وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) بالوأد (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) قيل : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك كنّى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الّذى تلصقه بزوجها كذبا لانّ بطنها الّذى تحمله فيه بين اليدين وفرجها الّذى تلده به بين الرّجلين ، وليس المعنى نهيهن عن الإتيان بولد من الزّنا لانّ الشّرط بنهي الزّنا قد تقدّم ، وقيل : البهتان الّذى نهين عنه قذف المحصنات والكذب على النّاس ، واضافة الأولاد الى الأزواج على البطلان ، يعنى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ذلك في الحاضر والمستقبل من الزّمان (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) يعنى لا يعصينك فيما أمرت به فانّه ليس الّا معروفا (فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
اعلم ، انّ البيعة الّتى كانت معمولة في جميع الشّرائع كانت بمنزلة الانفحّة للبن الوجود وما لم تتّصل الانفحّة باللّبن لم ينعقد وبمنزلة التّأبير لثمر النّخل ما لم يؤبّر النّخل لم يحمل الثّمر وبها يحصل اللّبّ لجوز الوجود وفستقه ، وبمنزلة الوصلة من الشّجر الحلو على الشّجر المرّ ما لم يتّصل من الشّجر الحلو وصلة بالشّجر المرّ لم يصر ثمره حلوا ، ولذلك كانوا في كلّ شريعة من اوّل الأمر مهتمّين بالبيعة ، قيل : كان النّبىّ (ص) يبايع النّساء بالكلام بهذه الآية : وما مسّت يد رسول الله (ص) يد امرأة قطّ الّا امرأة يملكها ، وروى انّه كان إذا بايع النّساء دعا بقدح ماء فغمس فيه يده ويقول ما قاله الله تعالى ثمّ اخرج يده ثمّ غمسن ايديهنّ فيه ، وقيل : انّه كان يبايعهنّ من وراء الثّوب ، وقيل : الوجه في بيعة النّساء مع انّهنّ لسن من أهل النّصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهنّ بما يصلح شأنهنّ في الدّين والأنفس والأزواج ، وكان ذلك في صدر الإسلام ، ولئلّا ينفتق لهنّ فتق لما صنع من الأحكام فبايعهنّ النّبىّ (ص) حسما لذلك