بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم) قد مضى في اوّل البقرة وفي غيرها بيان واف للفواتح (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) جمع تعالى في أوصافه بين الجلال والجمال ، والقهر واللّطف (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لمّا كان الجمع بين الأوصاف الجلاليّة والجماليّة والقهريّة واللّطفية والحقيقيّة والاضافيّة يوهم تعدّدا وكثرة في الموجودات نفى الكثرة واثبت التّوحيد بعدها (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) اشارة الى توحيد المبدء والمنتهى (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) في اخفائها وابطالها والاستهزاء بها (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالولاية التّكوينيّة والولاية التّكليفيّة فانّ الكفر بالله وبملائكته وكتبه ورسله ونعمه واليوم الآخر لا يكون الّا بعد الكفر بالولايتين فانّ الإنسان ما لم يستر وجهة القلب الّتى هي الولاية التّكوينيّة وليست الولاية التّكليفيّة الّا معينة لكشف الحجاب عن تلك الوجهة لا يكفر بالله ولا بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ونعمه (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) بالتّجارات الرّابحة والاعتبارات الّتى هي راجعة الى الدّنيا لانّهم مأخوذون عن قريب كما أخذ الّذين من قبلهم (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) اى الفرق المختلفة والأمم المتفرّقة كذّبوا كلّهم رسلهم (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد قوم نوح (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من تلك الأمم المذكورة أو كلّ أمّة من الأمم الماضية الّذين أرسل إليهم رسول (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) فيمنعوه من رسالته أو يعذّبوه أو يقتلوه كما همّ قومك بك ليأخذوك فيحبسوك أو يقتلوك (وَجادَلُوا) اى رسولهم (بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) اى يزيلوا (بِهِ الْحَقَ) كما يجادل قومك لان يزلقوك ويزيلوا الحقّ (فَأَخَذْتُهُمْ) بسبب الهمّ والجدال فلا تحزن فانّا نأخذ قومك ونعاقبهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) يعنى انّكم ان لم تشاهدوا عقوبتي لهم فقد سمعتم اخبارها وتشاهدون في مروركم بديارهم آثارها فلم لا تعتبرون بهم؟! وممّ تغتمّ يا محمّد (ص) بهمّة قومك وجدالهم؟ (وَكَذلِكَ) اى مثل ذلك العقاب المسموع للكلّ (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) بالعذاب (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر ولا سيّما الكافرين الّذين كفروا برسالتك والمنظور الكافرون بولاية علىّ (ع) (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) عن الباقر (ع) يعنى بنى أميّة (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) جواب لسؤال مقدّر ومقابل لقوله : ما يجادل في آيات الله كأنّه قيل : هذا حال الكافرين والمجادلين في آيات الله فما حال المؤمنين؟ ـ فقال : حالهم انّ الّذين يحملون العرش (وَمَنْ حَوْلَهُ) عطف على الّذين يحملون العرش أو عطف على العرش (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) قد مضى في اوّل الفاتحة وفي غيرها وجه تقييد التّسبيح بالحمد (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ذكرهم بوصف الايمان تفخيما لشأن الايمان وتعظيما لأهله وبشارة لهم (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) واستغفارهم مستجاب لخلوّهم عن الهوى وأغراض النّفس ، والمراد بالّذين آمنوا الّذين يستغفر لهم الملائكة من آمن بالايمان الخاصّ والبيعة الخاصّة الولويّة دون من أسلم بالبيعة العامّة النّبويّة فقط ، فانّهم وان كانوا مغفورين إذا لم يتنبّهوا بالبيعة الاخرى ولم يتذكّروا بالولاية ، وانّ الايمان ليس الّا