المضمون ورد عنهم اخبار كثيرة (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وهو حال أو مستأنف بتقدير القول من الملائكة أو من الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (تُوبُوا إِلَى اللهِ) بالبيعة الخاصّة ، أو المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الخاصّة توبوا وارجعوا من مقام نفوسكم الى الله الّذى مظهره قلوبكم (تَوْبَةً نَصُوحاً) خالصة من وصمة العود ، أو توبة ناصحا صاحبها لنفسه فيها بان يكون نادما على ما مضى وعازما على التّرك فيما يأتى ، أو توبة ترقع الخروق الّتى وقعت في الدّين وترتق الفتوق وتصلح الفاسد من النّصح بمعنى الخياطة ، أو المراد بها التّوبة الجارية على يد ولىّ الأمر في البيعة الخاصّة الولويّة فانّها الّتى يخلّص صاحبها عن كلّ سوء وغشّ وغلّ ، وهي الّتى يبصر بها صاحبها كلّ سوء ورذيلة فينصح نفسه في الخلاص عنها ، وهي الّتى ترقع كلّ خرق وقع للنّفس قبلها. اعلم ، انّ للتّوبة بحسب الصّورة معاني فانّ معناها ان يقول الإنسان : أتوب الى الله ، أو تبت الى الله ، وان يرجع الى نبىّ وقته أو ولىّ وقته وباع على يده بيعة عامّة أو بيعة خاصّة ، وان يندم على المعاصي القالبيّة ، وان يندم على الرّذائل النّفسانيّة ، وان يندم على العقائد الزّائغة ، وان يرجع عن ملاحظة نسبة الأفعال الى نفسه ، أو ملاحظة نسبة الصّفات الى نفسه ، أو نسبة الوجود الى نفسه ، وان يندم على تلوّنه في مقاماته ويطلب التّمكين ويرجع اليه والكلّ توبة والكلّ منظور من الآية بحسب مراتب الأشخاص (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) من المعاصي القالبيّة والرّذائل النّفسانيّة والعقائد الزّائغة ومن رؤية الأفعال من أنفسكم ونسبة الصّفات الى أنفسكم ومن انانيّاتكم (وَيُدْخِلَكُمْ) بعد ازالة السّيّئات (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى في سورة آل عمران في آخرها بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) اى باعوا البيعة العامّة أو الخاصّة معه لكنّ المناسب لقوله تعالى (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) هو المعنى الثّانى وقد مضى في سورة التّغابن بيان هذا النّور وانّه في قلب المؤمن أنور من الشّمس المضيئة بالنّهار ، واختار من جملة الجهات ما بين الأيدي والايمان اشعارا بجهتى النّفس المطيعة الّتى هي بحسب قوّتيها العلّامة والعمّالة ، وامّا الخلف واليسار فانّهما لا يكونان للنّفس المطيعة بمعنى انّه لا يكون لها جهة شيطانيّة ولا جهة حيوانيّة اللّتان يعبّر عنهما بالخلف واليسار ولو كانتا لم يكن ذلك النّور في تينك الجهتين (يَقُولُونَ) حالا وقالا (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) فانّهم بظهور هذا النّور والصّورة الملكوتيّة من امامهم يشتدّ لوعتهم ويزداد حرقتهم ويزيد طلبتهم فيطلبون ازدياد الظّهور واشتداد هذا النّور بحيث لا يبقى لهم ذات واثر ، فانّ مثلهم في تلك الحال مثل الفراش والسّراج لا يسكنون ما كان لهم ذات وحركة (وَاغْفِرْ لَنا) الحدود والنّقائص الملحقة بنا المانعة لنا من كمال ادراك هذا النّور (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) في العالم الصّغير والعالم الكبير ، وقرأ الصّادق (ع) : جاهد الكفّار بالمنافقين قال : انّ رسول الله (ص) لم يقاتل منافقا قطّ انّما كان يتألّفهم ، وفي خبر عنه : جاهد الكفّار والمنافقين ، قال : هكذا نزلت فجاهد رسول الله (ص) الكفّار ، وجاهد علىّ (ع) المنافقين فجهاد علىّ (ع) جهاد رسول الله (ص) (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) كفر النّفاق وان كان لهم قرب الى الأنبياء والأولياء (ع) (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا) الخاصّين بنا (صالِحَيْنِ) وكونهما تحتهما كناية عن كمال قربهما (فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ