ندرك بعقولنا ونميّز الحق من الباطل وكنّا محقّقين (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) لمّا رأوا قصورهم وتقصيرهم في تشخيص حال الأنبياء (ع) (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) اى بعدا ، روى انّ هذه الآيات في أعداء علىّ (ع) وأولاده ، والّتى بعدها في أوليائهم (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) حالكونهم في الغيب من ربّهم ، أو حالكون الرّبّ في الغيب منهم ، أو بسبب غيبة حالهم ، أو غيبة حال الرّبّ في رضاه وسخطه عنهم ، وقد سبق الاشارة الى انّ الخوف في مقام النّفس وظنّه والخشية أيضا في مقام النّفس لكن بعد ترقّبه الى ادنى مرتبة العلم أو أعلاها ، وقد سبق في سورة الفاطر عند قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) بيان للخشية (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) والآيتان وعيد ووعد للفريقين (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) عطف على واحد من الجمل السّابقة لكون الإنشاء في معنى الخبر فانّ الأمر للتّخيير فهو في معنى أنتم مخيّرون بين الأسرار والإعلان أو للتّسوية ، والمعنى سواء اسراركم واجهاركم بالقول عنده (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) الّتى هي أخفى من القول الخفىّ ، والمراد بذات الصّدور الخطرات والخيالات ، أو النّيّات والعزمات ، أو القوى والاستعدادات المكمونات الّتى لا شعور لصاحبي الصّدور بها (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) تأكيد لاحاطة علمه فانّ الخالق لا يكون جاهلا بمخلوقه (وَهُوَ اللَّطِيفُ) في علمه بحيث لا يشذّ عن علمه أصغر ما يكون (الْخَبِيرُ) ببواطن الأمور ، روى انّ المشركين كانوا يتكلّمون فيما بينهم بأشياء فيخبر الله بها رسوله فيقولون : اسرّوا قولكم لئلّا يسمع اله محمّد (ص) فنبّه الله على جهلهم (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) مستأنف جواب لسؤال مقدّر (فَامْشُوا) اى إذ كانت ذلولا فامشوا (فِي مَناكِبِها) اى في نواحيها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فاحذروا كفران نعمه ومخالفة امره (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) يعنى الملائكة الّذين هم في السّماء (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) كما فعل بقارون (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) تضطرب قبل الخسف أو بعده يعنى صرتم آمنين فتكفرون به وتكفرون بنعمائه لذلك وتخالفون امره وامر رسوله (ص) في ولاية علىّ (ع) (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) اى راميا لكم بالحصباء أو ريحا حاملة للتّراب (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) اى إنذاري حين رأيتم المنذر به (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري عليهم فاعتبروا أنتم بهم وتسلّ أنت يا محمّد (ص) عن تكذيبهم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) الم ينظروا في آيات قدرته ولم يروا الى الطّير (فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ (وَيَقْبِضْنَ) بالدّفيف أتى به مضارعا لانّ الدّفيف يكون مكرّرا متدرّجا ويناسبه المضارع الدّالّ على الاستمرار التّجدّدىّ ، والصّفيف إذا وقع يكون باقيا على الحالة الاولى ويناسبه الفاعل الدّالّ على الاستمرار من دون التّجدّد في الحدوث (ما يُمْسِكُهُنَ) في الجوّ (إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) فيعلم دقائق ما يحتاج اليه المخلوق والغرض من النّظر الى الطّير ان ينظر العاقل الى انّها مخلوقة من التّراب والغالب عليه الجزء الارضىّ وهي بالطّبع طالب للمركز ، وانّ الله تعالى خلقها بحيث يكون تعيّشها في الجوّ وقوتها يكون من حركتها في الجوّ في الأغلب فخلقها تعالى بحيث يكون جميع ما تحتاج اليه في حركتها وتعيّشها في الجوّ مهيّأة ، وليس هذا الّا فعل حكيم بصير قدير وليس فعل طبيعة السّماء والسّماويات كما يقول الدّهريّون ، ولا فعل الطّبائع الارضيّة كما يقول الطّبيعيّون فيعلم من ذلك مبدء قديرا عليما حكيما لنفسه ، ويعلم انّ الّذى لا يهمل شيئا ممّا يحتاج