أو أفضلهم واعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) تنزّهون الله فتؤدّوا شكر نعمه وتؤدّوا حقوقها ، أو تصلّون (قالُوا) اعترافا بظلمهم لأنفسهم وتنزيها للحقّ تعالى عن الظّلم (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا) اعترافا بطغيانهم (يا وَيْلَنا) يا قوم ويلنا أو نادوا الويل لغاية دهشتهم (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) وهذه تقال عند شدّة الغيظ وغلظ اليأس ، ويقال عند التّوجّه الى الله والتّوبة اليه والنّدم على ما فرّط (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) وهذه تدلّ على انّهم تابوا الى الله وندموا على ما فرّط منهم (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ كَذلِكَ الْعَذابُ) في الدّنيا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) نسب الى عبد الله بن مسعود انّه قال : بلغني انّ القوم أخلصوا وعرف الله تعالى منهم الصّدق فأبدلهم بها جنّة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا ، وقال ابو خالد اليمامىّ : رأيت تلك الجنّة ورأيت كلّ عنقود منها كالرّجل الأسود القائم (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) عن المعاصي أو عن رؤية أنفسهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَ) لم نجعل لهم جنّات (فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) كانوا يقولون ان كان بعث وجزاء كما يقوله محمّد (ص) فانّ حالنا يكون أفضل في الآخرة كما في الدّنيا ولو لم يكونوا يقولون ذلك بألسنتهم فانّهم كانوا يقولون ذلك بلسان حالهم فقال الله تعالى ، ذلك ظنّ فاسد وزعم باطل (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) على الله ما لا يرضاه الجاهل أو كيف تحكمون بينكم بترجيح الكافر المعاند على المسلم الموافق (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) ذلك اى تقرأون والحال ان ليس لكم كتاب وكتاب الله الّذى هو القرآن يحكم بخلاف ذلك (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) تدرسون معلّق عنه أو هو استفهام على الاستيناف بتقدير اداة الاستفهام (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) اى ثابت علينا الى يوم القيامة أو كاملة باقية (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) جواب للقسم (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) المذكور من جعلنا المسلمين كالمجرمين (زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) لله يجعلونهم مثل المسلمين (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في دعواهم امر للتّعجيز (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) ظرف لقوله تعالى : فليأتوا ، أو المعنى فليأتوا بشركائهم في الدّنيا حتّى نعلم انّ لهم شركاء ويوم يكشف ظرف لقوله تعالى : ترهقهم ذلّة كناية عن هول اليوم وشدّته ، فانّ الأمر إذا اشتدّ واحتاج الإنسان الى الفرار يكشف عن ساقه يعنى يوم يشتدّ الأمر عليهم ، أو المعنى يوم يكشف عن ساق البدن الاخروىّ فانّ البدن الدّنيوىّ كالحجاب واللّباس للبدن الاخروىّ بل بساق البدن الاخروىّ ولارادة ساق البدن الاخروىّ نكّر السّاق اشارة الى منكوريّته لهم أو الى تفخيمه ، أو المعنى يكشف عن شدّة عظيمة فانّه يكنّى عن الشّدّة بالسّاق ، وهذا معنى قوله تعالى : والتفّت السّاق بالسّاق ، أو المعنى يوم يكشف عن أصل الأمور وحقيقتها (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) لانّ استكبارهم عن السّجود في الدّنيا يظهر بصورة عدم الاستطاعة له في الآخرة ، عنهما (ع) انّهما قالا : أفحم (١) القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من النّدامة والخزي والذّلّة ، وعن الرّضا (ع) انّه قال حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجّدا ويدبّح (٢) أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السّجود (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) من شدّة الهول وكثرة الشّدائد (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)
__________________
(١) أفحم القوم عجزوا ـ وأفحمه الهمّ منعه.
(٢) دبّح بالدّال والباء الموحّدة المشدّدة والحاء المهملة بسط ظهره وطأطأ رأسه.