(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) اى الى ربّها المضاف لظهور الولاية وصاحبها في ذلك اليوم ، أو الى ربّها المطلق لظهور آثاره اى الى آثاره ناظرة ، أو منتظرة الى ثواب ربّها ، روى عن أمير المؤمنين (ع) في حديث : ينتهى أولياء الله بعد ما يفرغ من الحساب الى نهر يسمّى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتبيضّ وجوههم إشراقا فيذهب كلّ قذى ووعث (١) ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون الى ربّهم كيف يثيبهم؟ ـ قال : فذلك قوله تعالى : الى ربّها ناظرة وانّما يعنى بالنّظر اليه النّظر الى ثوابه تبارك وتعالى ، وفي الخبر والنّاظرة في بعض اللّغة هي المنتظرة الم تسمع الى قوله : فناظرة بم يرجع المرسلون اى منتظرة و (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) عابسة أو شديدة العبوس (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) الفاقرة الدّاهية ولعلّها كانت في الأصل بمعنى الكاسرة لفقرات الظّهر ثمّ غلب على الدّاهية لكسرها فقرات الظّهر المعنوىّ (كَلَّا) ردع عن اختيار الدّنيا أو ردع عن ظنّ النّجاة بصاحبي تلك الوجوه (إِذا بَلَغَتِ) النّفس (التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ) رافع لك عن هذه المهالك؟ قيل : ذلك على سبيل التّحسّر ، أو يقول الملائكة : من يرفعه بروحه ، ملائكة الرّحمة أو ملائكة العذاب؟ أو من يشفيه بأسماء الله تعالى من الرّقية وهو طلب الشّفاء بأسماء الله تعالى (وَظَنَ) اى علم لكن لمّا كان علوم النّفس في حكم الظّنون لمغايرتها لمعلوماتها وجواز انفكاك المعلومات عنها عبّر عنها بالظّنون كما ذكرنا سابقا مكرّرا (أَنَّهُ الْفِراقُ) من الدّنيا (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) كناية عن انتزاع الرّوح فانّه يلتفّ في كثير السّاقان حينئذ ، ولمّا كان آخر الدّنيا بمنزلة السّاق لها واوّل الآخرة أيضا بمنزلة السّاق لها جاز ان يقال : التفّت الدّنيا بالآخرة ، ولمّا كانوا يكنّون عن شدّة الأمر بالسّاق جاز ان يقال : التفّت شدّة هول الدّنيا بشدّة هول الآخرة (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) هذه الجملة جواب إذا بتقدير الفاء ، أو الجواب محذوف بقرينة المقام (فَلا صَدَّقَ) يجوز ان يكون هذه الجملة جوابا ويكون المعنى إذا بلغت التّراقى لا يكون له راحة لانّه لا صدّق (وَلا صَلَّى) اى لا صدّق الأنبياء والأولياء (ع) ولا صلّى (وَلكِنْ كَذَّبَ) الأنبياء والأولياء (ع) (وَتَوَلَّى) عن طاعة الله وطاعة خلفائه (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) يتبختر سواء كان أصله التّمطّى بالياء أو التّمطّط بالطّاء (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) اولى فعل ماض أصله أولاك الله ما تكرهه ، أو أولاك الله البعد من الخير أو الهلاك ، بمعنى ولّاك الله فحذف الفاعل والمفعول الثّانى وادخل اللّام الزّائدة على المفعول الاوّل للتّأكيد ، أو بمعنى قرّب الله منك الهلاك أو قرب منك الهلاك ، أو بمعنى أرجعك الله الى الهلاك من ، آل يئول مقلوبا ، أو بمعنى أهلك الله من الويل أو هو افعل التّفضيل بمعنى أحرى اى أحرى لك النّار أو الهلاك أو اللّعن أو بمعنى أقرب فحذف المبتدء أو هو افعل من الويل بعد القلب بمعنى ويل لك أو شدّة الويل لك ، أو هو فعلى من آل يئول بمعنى مرجعك النّار وعلى اىّ تقدير هو كلمة تهديد صار كالامثال لا يغيّر ولا يذكر المحذوف المقدّر ، قيل : أخذ رسول الله (ص) بيد ابى جهل ثمّ قال له ذلك فقال : باىّ شيء تهدّدنى؟ لا تستطيع أنت ولا ربّك ان تفعلا بى شيئا وانّى لا عزّ أهل هذا الوادي فأنزل الله سبحانه كما قال له رسول الله (ص) ، وقال القمّىّ : انّ رسول الله (ص) دعا الى بيعة علىّ (ع) يوم غدير خمّ فلمّا بلّغ وأخبرهم في علىّ (ع) ما أراد ان يخبرهم رجعوا النّاس فاتّكى معاوية على مغيرة بن شعبة وابى موسى الأشعري ثمّ اقبل يتمطّى نحو اهله ويقول : ما نقرّ لعلىّ (ع) بالولاية أبدا ولا نصدّق محمّدا (ص) مقالته فأنزل الله عزوجل : فلا صدّق ولا صلّى (الآيات)
__________________
(١) الوعث المشقّة ، ووعثاء السفر مشقّته ، والوعث ، المكان السّهل الذي تعيث فيه الاقدام ويشقّ على من يمشى فيه ، واوعث القوم اى وقفوا في الوعث.