ماؤها من اىّ مكان شاؤا (تَفْجِيراً) لا يعرف لعظمته.
اعلم ، انّ للإنسان حالات ومراتب ودرجات فانّه في اولى مراتبه جماد في تطوّراته ، وفي ثانية مراتبه نبات في تفنّناته ، وفي ثالثة مراتبه حيوان في تبدّلاته وتقلّباته ، وفي رابعة مراتبه إنسان في كثرة نشآته ، ولتلك المراتب ميول واقتضاءات وشهوات وغضبات ومحبّات واشتياقات وعزمات وإرادات وحركات وسكنات ، فاذا بلغ الإنسان مبلغ الرّجال والنّساء فامّا ان تكون حركاته وسكناته بحكم ميوله الجماديّة أو اقتضاءاته النّباتيّة أو شهواته وغضباته الحيوانيّة ، أو إدراكاته وحيله الشّيطانيّة ، وامّا ان تكون بحكم عقله الانسانىّ فان كانت من القسم الاوّل كانت جملة حركاته وسكناته وعزماته وإراداته من حيث انجرارها الى العمل السّيّئ والاسوء سلاسل تجرّه في الدّنيا الى أسفل النّفس الّتى هي صورة جحيم الآخرة والى العمل القبيح الّذى هو من آثار لهبات الجحيم ، وتلك السّلاسل في الدّنيا مستورة عن الانظار الحسّيّة وان كانت مشهودة بالانظار الملكوتيّة لأهلها ، لكن في الآخرة تصير مشهودة ظاهرة بناء على تجسّم الأعمال وموجبة لسلاسل اخرى اخرويّة بناء على جزاء الأعمال في الآخرة بالجزاء المناسب لها ، وكانت كلّها من حيث اكتساب النّفس منها سوأة وثقلا أغلالا لها مستورة عن الانظار الدّنيويّة مشهودة للانظار الاخرويّة ، وان كانت من القسم الأخير صارت سببا لإطلاقه من الأغلال وخلاصه من السّلاسل وسببا لخروجه من هاوية النّفس وعروجه على مراقى الانسانيّة الى أعلى عليّين وقرب ربّه ربّ العالمين وبعبارة اخرى كلّما يفعله الإنسان بعد بلوغه امّا ان يكون بأمر آمر الهىّ من غير شراكة لنفسه وأمرها فيه أو يكون بشراكة لنفسه فيه وامّا ان يكون بأمر نفسه من غير شراكة لربّه وامر ربّه فيه ، فان كان من القسم الاوّل صار سببا لإطلاقه ونجاته ويكون ممّا يتقرّب به قرب الفرائض ، وان كان من القسم الثّانى فامّا ان يكون شراكة النّفس في الفعل لأمر الله من حيث توجّهها الى الله واعانتها لامتثال امر الله وقربها من الله ، أو من حيث انصرافها من الله وتوجّهها الى حظوظها ومآربها ، والاوّل كالاوّل في صيرورته سببا لإطلاق النّفس ونجاتها ويكون ممّا يتقرّب به قرب النّوافل ، والثّانى يكون ممّا يكون العامل فيه مشركا في العبادة ويكون مردودا اليه وممّا يتركه الله تعالى لشريكه لكونه اغنى الشّركاء ويترك لشريكه كلّ عمل يعمل بشراكة غيره ، ويكون سلسلة وغلّا لنفسه ، وان كان من القسم الثّالث لا يكون الّا غلّا وسلسلة وإليها أشار تعالى شأنه بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) فانّ أصحاب اليمين اى الّذين قبلوا ولاية علىّ (ع) بالبيعة الخاصّة الولويّة هم الّذين توجّهوا الى الله وابتغوا مرضاته ولقائه ، فان كانوا في حال الحضور وكان ولىّ أمرهم ظاهرا عليهم وفاعلا فعلهم بآلات أعضائهم من دون مدخليّة لأنفسهم في فعلهم كان فعلهم من القسم الاوّل ، وان لم يكن لهم حالة الحضور لكن كان حبّهم لربّهم ولولىّ أمرهم بحيث لم يبق لهم التفات الى أنفسهم وحظوظها كان فعلهم أيضا من القسم الاوّل ، وان لم يبلغ حبّهم الى مرتبة لم يبق لهم التفات الى أنفسهم وحظوظها بل كانت أنفسهم أيضا باعثة على أعمالهم ولكن كانت حظوظ أنفسهم في امتثال امر الله وابتغاء مرضاته كان من القسم الثّانى الملحق بالاوّل ، وان كانوا في أفعالهم غافلين من ربّهم وامره مبتغين لحظوظ أنفسهم حظوظها السّفليّة لم يكونوا حينئذ من أصحاب اليمين في تلك الأفعال فانّ قيد الحيثيّة معتبرة في أمثال المقام ، وكانوا مرهونين بأعمالهم مثل سائر النّاس ولم يكونوا ينتفعون ببيعتهم في تلك الأعمال لكن إذا لم يقطعوا حبل الولاية ولم يفسدوا بذر الايمان انتفعوا ببيعتهم عند الموت وبعده ، وقد أشار المولوىّ قدسسره الى السّلاسل والأغلال المستورة بقوله :
خلق ديوانند شهوت سلسلة |
|
مى كشد شأن سوى دكّان وغله |
هست اين زنجير از خوف ووله |
|
تو مبين اين خلق را بى سلسلة |
ميكشاندشان بسوى نيك وبد |
|
گفت حق في جيدها حبل المسد |
قد جعلنا الحبل في أعناقهم |
|
واتخذنا الحبل من أخلاقهم |