ضمّه وقبضه ، والكفات الموضع الّذى يكفت فيه الشّيء اى يضمّ أو هو مصدر ، أو جمع لكافت ، أو جمع كفت بمعنى الوعاء وهو مفعول ثان لنجعل ، أو حال ، أو المفعول الثّانى قوله تعالى (أَحْياءً وَأَمْواتاً) وعلى الاوّل فأحياء وأمواتا حالان من ذي حال محذوف اى للنّاس ، أو حالان من الأرض وكون الأرض احياء وأمواتا باعتبار صلاحها للنّبات والزّراعات وعدم صلاحها لها ، أو باعتبار وقت إنباتها للنّبات ووقت عدم إنباتها كالخريف والشّتاء ، أو مفعولان لكفاتا ، وتنكيرهما حينئذ للتّفخيم ، أو لانّ احياء الانس وأمواتهم بعض الأحياء والأموات (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) جبالا ثوابت طوالا (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) هذان الفعلان معطوفان على مجموع الم نجعل الأرض فانّه في معنى جعلنا الأرض البتّة كفاتا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ انْطَلِقُوا) حال أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول اى يقال لهم : انطلقوا (إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العذاب (انْطَلِقُوا) قرئ هذا امرا ، وقرئ على الاخبار جوابا لسؤال مقدّر (إِلى ظِلٍ) اى ظلّ دخان جهنّم بقرينة ما يأتى (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ).
اعلم ، انّ النّفس الانسانيّة الامّارة مظهر لجهنّم ، وكلّما لها من الأوصاف الرّذيلة شعبة وشعلة من لهبها ، وهي سبب لدخولها ، وانّ أصل جميع الرّذائل هي القوى الثّلاث البهيميّة والسّبعيّة والشّيطانيّة ، وانّها لهبات من الجحيم وادخنة منها تحترق الانسانيّة بها ، وما دام الإنسان في الدّنيا وكان أسيرا للنّفس الامّارة لا يستشعر بحرقته فاذا مات تمثّل له ما كان مخفيّا عنه في الدّنيا فيظهر عليه اللهبات الثّلاث وادخنتها وظلال ادخنتها فيقال له : انطلق الى هذا الظّلّ ، استهزاء ، فينطلق الى ظلّها لانّه كان في الدّنيا مسخّرا لها ويكون ذلك الظّلّ غير ذي برودة ولذلك قال (لا ظَلِيلٍ) لانّه ظلّ الدّخان فيكون حارّا لا باردا وهذا ردّ لما أوهم لفظ الظّنّ (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) اى من حرّ اللهب كسائر الظّلال المغنية من حرّ الشّمس (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قرئ بسكون الصّاد بمعنى المنزل الرّفيع ، وقرئ بالتّحريك بمعنى أصول النّخل والشّجر وبقاياه وأعناق النّاس والإبل ، والكلّ مناسب ، فانّ القوى الثّلاث في الدّنيا ترمى بخطرات وآمال وانانيّات ، وفي الآخرة تتمثّل تلك بشرر عظام (كَأَنَّهُ) اى كأنّ القصر أو الشّرر فانّه جنس للشّررة (جِمالَتٌ صُفْرٌ) جمع الجمل ، وقرئ جمالات بكسر الجيم وضمّها جمع الجمالة بكسر الجيم وضمّها جمع الجمل فانّ الجمالة والجمالات مثلّثتي الجيم جمع للجمل (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) اعلم انّ ايّام الآخرة كثيرة ففي بعضها ينطق النّاس ويسألون ويتضرّعون ، وفي بعضها لا ينطقون فلا ينافي ذلك سائر الآيات والاخبار الدّالّة على تنطّقهم واستنطاقهم (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) في النّطق أو في الاعتذار (فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين المحقّ والمبطل ، أو المؤمن والكافر ، أو أهل الجنّة وأهل النّار ، أو يوم القضاء والحكم (جَمَعْناكُمْ) فيه (وَالْأَوَّلِينَ) حال أو استيناف (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) كما كنتم تكيدوننى في الدّنيا بالكيد مع خلفائي وهذا على التّعجيز والتّهكّم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : هذا حال المكذّبين فما حال المتّقين عن تكذيب الرّسل أو الحشر؟ (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا) استيناف بتقدير القول (هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لمّا كان السّورة لتهديد المكذّبين كرّر هاهنا هذه الكلمة وثنّى ذكر المكذّبين واضرب عن المتّقين مع انّه كان المناسب ان يقول : طوبى يومئذ للمتّقين (كُلُوا) استيناف أو حال