خلقكم ابتداء أضعف من خلق السّماء وقد خلقكم وخلق السّماء فكيف يكون عاجزا عن خلقكم ثانيا (بَناها) جواب لسؤال مقدّر أو حال (رَفَعَ سَمْكَها) اى جهتها المرتفعة (فَسَوَّاها) اى اتمّها بجميع ما فيها وجميع ما فيه مصالح العباد (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) اى جعل ليلها مظلما (وَأَخْرَجَ) من اللّيل أو أظهر (ضُحاها) ونسبة اللّيل والضّحى الى السّماء لكونها مبدأهما وهذه الجمل تفصيل لسوّيها فانّ تتميمها يكون بما ذكر بعدها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) اى بعد بناء السّماء ورفع سمكها واظلام ليلها وإخراج ضحيها ، ودحو الأرض عبارة عن بسطها.
اعلم ، انّه لا تقدّم لسماء العالم الكبير على أرضها ، وما ورد في الآيات والاخبار مشعرا بتقدّم خلق الأرض على السّماء أو تقدّم السّماء على الأرض فمؤوّل لانّه ليس بين الأرض والسّماء علّيّة لعدم جواز العلّيّة بين الأجسام كما قرّر في محلّه ولذلك قيل : المراد بقوله تعالى بعد ذلك مع ذلك اى الأرض مع بناء السّماء دحاها فليكن المراد بدحو الأرض بسطها بتوليد مواليدها ، فانّ مرتبة المواليد في الخلقة بعد مرتبة العناصر والسّماوات ، أو ليكن بعد بمعنى مع كما قيل ، أو ليكن المقصود من الأرض والسّماء ما في العالم الصّغير فانّ سماءه بوجه مقدّمة على أرضه وبوجه مؤخّرة (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها) اى اثبتها في أوساط الأرض لتوليد المعادن فيها وإنبات النّبات والأشجار الّتى لا تنبت الّا فيها وسهولة اجراء المياه من تحتها والعيون على سفحها (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) اى حالكونها أشياء تتمتّعون بها في معاشكم أو لتمتّعكم وتمتّع انعامكم فقوله متاعا حال أو منصوب بنزع الخافض وليس مفعولا له لعدم اتّحاد مرفوعه مع مرفوع عامله ، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) يعنى إذا كان خلق السّماء اشدّ من خلقكم ابتداء ، وخلقكم ثانيا أسهل من خلقكم ابتداء فلا مانع من خلقكم ثانيا وقد أخبركم به فهو محقّق لا محاله فاذا جاءت القيامة ، سمّيت بالطّامّة لانّ الطّامة الدّاهية الّتى تغلب ما سواها والقيامة داهية تغلب جميع الدّواهى (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) اى ما عمله فانّ يوم القيامة يوم الذّكر ودار الآخرة دار الذّكر فيتذكّر الإنسان فيها جميع ما عمله بمعنى انّه يرى آثاره على نفسه ويشاهدها ويشاهدها ويشاهد جزاءها (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) اى لمن يراها اى لمن كان من شأنه رؤيتها فانّ منهم من لا يراها أصلا وليس من شأنه رؤيتها (فَأَمَّا مَنْ طَغى) طغى يطغو من باب نصر وطغى يطغى من باب منع خرج من الطّاعة (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) على الحياة الآخرة (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) اى مأواه (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) عن مقامه عند ربّه أو قيام ربّه للحساب ، أو محلّ قيام ربّه للحساب ، أو تمكّن ربّه وقدرته عند الحساب (وَنَهَى النَّفْسَ) اى نفسه (عَنِ الْهَوى) اى هواها (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل بعد ما سجّل عليهم قيام السّاعة : ما يقولون فيها؟ ـ فقال : يسألونك عن وقتها ، أو استفهام بتقدير حرف الاستفهام (أَيَّانَ مُرْساها) اى متى يكون ثباتها (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) تفخيم لأمرها ونفى لعلمه (ص) بها تأكيدا في اخفائها (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) يعنى انّ السّاعة منتهاها الرّبّ فان كنت تقدر على معرفة الرّبّ تقدر على معرفتها ، أو المعنى الى ربّك المضاف وظهوره منتهى وقت السّاعة يعنى انّ السّاعة اى وقت القيام عند الله من اوّل الموت الى ظهور ربّك عليك ، وحين ظهور الرّبّ يكون تمام القيام عند الله سواء كان الموت اختياريّا أو اضطراريّا ولذلك فسّرت