السّاعة تارة بظهور القائم (ع) وتارة بالقيامة وتارة بالرّجعة وتارة بالموت ، فانّ الكلّ بعد طىّ البرازخ اختيارا أو اضطرارا ينتهى الى علىّ (ع) فانّ آيات الخلق اليه وحسابهم عليه ورجوعهم اليه (ع) وهو قيامتهم وهو رجعتهم سواء جعل المراد بالرّجعة الرّجعة الى الصّحو بعد المحو ، أو الى القوى والجنود بعد الفناء عنها ، أو الرّجعة الى الآخرة وهو ظاهر ، أو الرّجعة الى الدّنيا فانّه بعد رجوعهم الى امامهم كان اوّل رجعتهم الى الدّنيا والى المراتب الدّانية الّتى كانوا مدبرين معرضين عنها ، وبعد ما نفى علمه بالسّاعة حصر شأنه في الإنذار تأكيدا لنفى علمه بالسّاعة فقال (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) يعنى محصور شأنك في إنذار من كان عالما بها وبأهوالها لا ينفع إنذارك لغيرهم ولا شأن لك سوى ذلك الإنذار (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) وهذا جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما كان حالهم في السّاعة؟ ـ فقال : كانوا حين يرونها كأنّهم لم يلبثوا في السّاعة الّا آخر النّهار أو اوّله حتّى اخرجوا الى النّار ، أو كأنّهم لم يلبثوا في الدّنيا لصغر الدّنيا في أعينهم أو لشدّة اهوالهم الّا ساعة من النّهار.
سورة عبس
مكّيّة كلّها ، ثنتان وأربعون أو احدى وأربعون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(عَبَسَ وَتَوَلَّى) قيل : نزلت الآية في عبد الله بن امّ مكتوم كان أعمى وذلك انّه جاء الى رسول الله (ص) وعنده جمع من صناديد قريش يدعوهم الى الإسلام وفي رواية كان عنده عتبة بن ربيعة وابو جهل والعبّاس وأبىّ وأميّة ابنا خلف يدعوهم الى الله ويرجوا سلامهم فقال : يا رسول الله (ص) اقرأنى وعلّمنى ممّا علّمك الله فجعل يناديه ويكرّر النّداء ولا يدرى انّه مشتغل بغيره ، فظهرت الكراهة في وجه رسول الله (ص) ويقول في نفسه : يقول هؤلاء الصّناديد انّما اتباعه العميان والعبيد فأعرض عنه وأقبل على القوم وكان رسول الله (ص) بعد ذلك يكرمه ويقول : مرحبا بمن عاتبني فيه ربّى ، وروى عن الصّادق (ع): انّ المراد كان رجلا من بنى أميّة كان عند النّبىّ (ص) فجاء ابن امّ مكتوم فلمّا رآه تقذّر (١) منه وجمع نفسه واعرض عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه ، وعن القمّىّ انّها في عثمان وابن امّ مكتوم وكان مؤذّنا لرسول الله (ص) وجاء الى رسول الله (ص) فقدّمه رسول الله (ص) على عثمان فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) يتطهّر أو يصلح في اعماله كمال الصّلاح أو ينمو في دينه وايمانه (أَوْ يَذَّكَّرُ) اى يتذكّر ان لم يكن يزّكّى (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) حتّى يسلم بعد أو ينتفع بها حين موته (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) في ماله أو استغنى عن الإسلام (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تتعرّض (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) ولا بأس عليك في ان لا يتطهّر ذلك الغنىّ أو اىّ شيء يرد عليك في ان لا يزّكّى ، أو ليس عدم تزكيته وبالا عليك ، وقال القمّىّ : المعنى لا تبالي أزكيّا كان أو غير زكىّ إذا كان غنيّا (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) في طلب الدّين وازدياد ايمانه (وَهُوَ يَخْشى) ربّه بالغيب (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) وقد استبعد بعض العلماء كون الآيات في رسول الله (ص) لبعد مقامه عن العبوس والتّولّى عن الأعمى ، وعلوّ رتبته عن ان يصير معاتبا بمثل هذا العتاب ، أقول : لو كانت الآيات فيه (ص) والعتاب له لم يكن فيه نقص لشأنه ولم يكن منافيا لما قاله تعالى في حقّه من قوله : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فانّ إقباله (ص)
__________________
(١) اى تنفّر.