وإدباره وعبوسه واستبشاره كان لله فانّ عبوسه ان كان لمنع الأعمى عن نشر دين الله واستماع كلماته لأعداء الله وأعداء دينه وتقريبهم الى دينه لم يكن فيه نقص فيه وفي خلقه ، وامّا أمثال العتاب له (ص) فانّها تدل على تفخيمه والاعتداد به فانّ كلّها كانت بايّاك اعنى واسمعي يا جارة فالخطاب والعتاب يكون لغيره لا له ، وكذا زريه (١) تعالى له (ص) بالعبوس والتّولّى يكون متوجّها الى غيره في الحقيقة (كَلَّا) ردع له عن مثله (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) اى القرآن ، وتأنيث الضّمير لمطابقة المسند أو الرّسالة تذكرة فليس لك ان تكون حريصا على قبولهم أو ولاية علىّ (ع) تذكرة (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) اى القرآن أو شأن الرّسالة أو الولاية (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) حال أو خبر بعد خبره ، ويجوز ان يكون ظرفا لغوا متعلّقا بقوله تعالى ذكره ، والمراد بالصّحف المكرّمة الألواح العالية ، أو الأقلام العالية ، الّتى هي العقول الطّوليّة أو العرضيّة أو صحف قلوب الأنبياء (ع) ونفوسهم (مَرْفُوعَةٍ) عن نيل الأيدي النّاقصة (مُطَهَّرَةٍ) عن نقائص المادّة وسواتها (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) جمع السّافر بمعنى الكاتب ، أو المراد الملائكة الّذين كانوا سفراء بينه وبين أنبيائه (ع) (كِرامٍ بَرَرَةٍ) بارّين الى الأنبياء (ع) ، أو الى الخلائق ، أو محسنين في أنفسهم مطيعين لأمر ربّهم (قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء على الإنسان المطلق بسبب شأنه الّذى أودعه الله فيه من كفران النّعمة ، أو الكفر بالله ، أو الرّسول (ص) أو الولاية ، وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال الإنسان مع ما جعلته تذكرة من القرآن أو شأن الرّسالة أو الولاية؟ ـ فقال : قتل الإنسان (ما أَكْفَرَه) يعنى حاله شدّة الكفران أو الكفر ، والصّيغة للتّعجّب أو مركّبة من لفظة ما الاستفهاميّة والفعل الماضي من باب الأفعال ، ويجوز ان يكون المقصود من قوله ما أكفره ما أكفره بعلىّ (ع) (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل له ما يدلّه على الآلهة أو الرّسالة أو الولاية أو البعث؟ ـ فقال : من اىّ شيء خلقه حتّى يعلم انّ ذلك حقّ فالاستفهام للتّقرير (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) يعنى خلقه من نطفة ضعيفة الوجود لا تحفظ صورته بنفسه آنين قذرة منتنة ادلّ دليل على المبدء والرّسالة والولاية والبعث (فَقَدَّرَهُ) بحسب أعضائه واجزائه ومقدار طوله وعرضه قدرا يليق بشأنه ويتمشّى منه الأفعال المترقّبة منه بسهولة (ثُمَّ السَّبِيلَ) اى سبيل الخروج من بطن أمّه ، أو سبيل السّلوك لطلب معيشة ، أو سبيل السّلوك الى الله وطلب معاده ، أو سبيل السّلوك من الدّنيا الى الآخرة بالموت الاضطرارىّ (يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ) عن صورة وفعليّة ينبغي ان تطرح (فَأَقْبَرَهُ) في صورة اخرى الى ان أماته عن جميع الصّور بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ فأقبره في القبر التّرابىّ وفي الصّور البرزخيّة والمثاليّة (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) من قبره (كَلَّا) ردع للإنسان عن ترقّب رؤية ما ذكره من النّشر (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) اى لمّا يقض ذلك الإنسان ما امره الله من إخلاص العبادة وإتمام العبوديّة حتّى يشاهد ما يتمنّى شهوده من النّشر والحساب والعقاب ، أو لمّا يقض الإنسان ما امره الله تعالى به من الأوامر الشّرعيّة القالبيّة حتّى يشاهد آثار الآلهة أو الرّسالة أو الولاية ، أو يشاهد نشر العباد وحسابهم من طريق باطنه ، أو لمّا يقض الله ما امره وقدّره من حشر الخلائق ونشرهم وحسابهم وثوابهم وعقابهم حتّى يشاهدوا ما نقول من نشر الخلائق (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) الى الأسباب والمسبّبات ويشاهد كيفيّة ترقّيها وترتّبها ووصولها الى غاياتها ومسبّباتها حتّى يعلم بعلم اليقين انّ لها إلها وانّ له رسولا وإماما ، وانّ الإنسان ينتهى في تقلّباته الى ان خرج من قشره وقالبه ، ووصل الى لبّه وقلبه ، والى حسابه وربّه فلينظر من جملة الأسباب والمسبّبات (إِلى طَعامِهِ) الصّورىّ والمعنوىّ (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ) من السّحب (صَبًّا) عجيبا يكون بقدر الحاجة وليس كثيرا بحيث يستضرّون به ولا في غير وقت الحاجة (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) بانبات النّبات والأشجار (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا)
__________________
(١) نسبة الله تعالى عيب العبوس والتّولى اليه (ص).