كما سبق ، وأصحاب الأخدود على التّأويل من دخل في أخاديد الطّبع وابتلى بنار شهوات النّفس وغضباتها وأهلك عن الفطرة الانسانيّة (النَّارِ) بدل من الأخدود بدل الاشتمال (ذاتِ الْوَقُودِ) التّوصيف بذات الوقود اشارة الى كثرة الحطب وادامة إيقادها (إِذْ هُمْ) اى الملك وأصحابه (عَلَيْها قُعُودٌ) قيل : كانوا على كراسىّ حول النّار ويعذّبون المؤمنين (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) حاضرون على تعذيبهم (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) اى ما كافئوا منهم أو ما أنكروا أو ما كرهوا (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وقد مضى نظير الآية في سورة المائدة والتّوبة (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اى مملكة السّماوات والأرض أو ملكهما الّذى يكون في الانظار مستقلّا بالوجود ومتأبيا عن المملوكيّة فكيف بملكوتهما (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فضلا عن مالكيّته وشهوده على كلّ شيء نحو شهود النّفس على صورها الادراكيّة فيكون مالكيّته أيضا نحو مالكيّة النّفس لصورها الذّهنيّة (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بالإيذاء من غير استحقاق أو بالإيذاء مطلقا (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) أعاذنا الله منه (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) الحريق اسم للاحتراق بمعنى انّ لهم عذابا مسبّبا عن الاحتراق ، أو عذابا هو الاحتراق والمقصود انّ لهم في جهنّم عذاب الحيّات والعقارب والحميم والزّقّوم ، ولهم عذاب الاحتراق ، أو المراد بالّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أصحاب الأخدود والمراد بعذاب الحريق احتراقهم بنار الأخدود ، فانّه كما نقل بعد ما القوا المؤمنين في النّار كان المؤمنون يدخلون الجنّة من غير احساس الم النّار وانقلبت النّار على الكفّار فأحرقتهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) جواب لسؤال مقدّر عن حال المؤمنين (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات في آخر سورة آل عمران عند قوله فالّذين هاجروا واخرجوا (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) يا محمّد (ص) أو من يتأتّى منه الخطاب (لَشَدِيدٌ) الجملة في مقام التّعليل لعذاب الكافرين ونعيم المؤمنين ، والإتيان بالبطش والحكم عليه بالشّدّة اشعار بشدّة العذاب فانّ البطش هو الأخذ بالعنف والسّطوة (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) تعليل لشدّة بطشه فانّ البطش ممّن بيده اعادة الشّيء وابداؤه يكون شديدا بالنّسبة اليه (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) لا غفور الّا هو ، ولا ودود الّا هو ، فيكون مغفرته ووداده بالنّسبة الى مستحقّهما فوق ما يتصوّر ، جمع بين القهر واللّطف والوعيد والوعد كما هو ديدنه وديدن خلفائه (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) قرئ بالرّفع وبالجرّ ، والعرش جميع ما سواه فله العظمة والمالكيّة لجميع ما سواه فله إعطاء ما يريد (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) من غير مانع وعجز وقد مضى في سورة البقرة عند قوله : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) بيان تامّ لقوله : فعّال لما يريد (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) استفهام للتّقرير وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل على وعده ووعيده دليل ممّا مضى؟ ـ فقال : الدّليل على ذلك حكايات الجنود الّذين تجنّدوا على أنبيائهم فيما سلف وقد سمعت حكاياتهم وما فعل بالكفّار منهم وما أكرم به المؤمنين منهم (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) أطلق اسم الرّئيس على الجماعة مجازا أو قدّر جنود فرعون وثمود يعنى قد سمعت ذلك فانظر ماذا فعل بالكفّار منهم وماذا فعل بالمؤمنين حتّى تكون على يقين بوعيده ووعده (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) يعنى ليسوا لم يسمعوا حكايات الجنود بل لا شأن لهم سوى شأن التّكذيب ، ومن كان كذلك لو رأوا جميع ما فعل بالكفّار الماضين والمؤمنين ما اقرّوا ولا صدّقوا لعدم شأن لهم سوى التّكذيب ، لانّهم محجوبون عن دار العلم والتّصديق ولذلك يكذّبونك ويكذّبون كتابك