(وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) اى من خلفهم فانّهم ناكسون رؤسهم ومدبرون عن الله ولمّا كان احاطة الله من ورائهم لم يكونوا يشاهدونه ويشاهدون احاطته ، ولمّا استفيد من قوله بل الّذين كفروا في تكذيب تكذيبهم لمحمّد (ص) ورسالته وكتابه قال : ليس تكذيبهم لك ولكتابك عن برهان وفي محلّه لانّ كتابك ليس بكاذب (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ) مجموع في بساطته ووحدته (مَجِيدٌ) ذو مجد وشأن (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) عن أيدي المحجوبين ، أو عن التّغيّر والتّبدّل ، أو عن مسيس الشّياطين ، أو عن اختلاق المختلقين ، وقرئ محفوظ بالرّفع والجرّ والمعنى واحد والمراد باللّوح المحفوظ النّفوس الكلّيّة أو العقول الكلّيّة فانّها بوجه كتب وألواح أو صدور الرّاسخين في العلم من صدر محمّد (ص) وأوصيائه (ع) ، وهذا اللّوح هو امّ الكتاب ومنه نسخ جميع الكتب.
سورة الطّارق
سبع عشرة آية ، مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) اقسم بالسّماء وبالكواكب أو بكوكب الصّبح وعظّم شأن الكوكب فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ) وأجاب بعد تفخيمه بالاستفهام التّعجيبىّ فقال (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) اى المضيء أو الثّاقب للأفلاك بضوئه ، روى عن الصّادق (ع) انّه قال لرجل من أهل اليمن : ما زحل عندكم في النّجوم؟ ـ فقال : اليمانىّ نجم نحس ، فقال (ع) : لا تقولنّ هذا فانّه نجم أمير المؤمنين (ع) وهو نجم الأوصياء (ع) وهو النّجم الثّاقب الّذى في كتابه فقال له اليمانىّ : فما يعنى بالثّاقب؟ ـ قال : لانّ مطلعه في السّماء السّابعة وانّه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السّماء الدّنيا ، فمن ثمّ سمّاه الله النّجم الثّاقب (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) قرئ لما بالتّخفيف فان مخفّفة من الثّقيلة واللّام فارقة وما مزيدة ، وقرئ لمّا بالتّشديد فان نافية ولمّا استثنائيّة ويحتمل وجوه أخر ضعيفة ممّا مضى في سورة هود في بيان قوله تعالى : وان كلّا لمّا ليوفيّنّهم ربّك أعمالهم فلينظر اى إذا كان على كلّ نفس حافظ من الله يحفظ عليه اعماله (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) اى فلينظر الى مادّته وانّها كانت أضعف موجود واخسّه حتّى يعلم انّ له خالقا قادرا عليما حكيما ، ويعلم انّ خالقه يقدر على إعادته فيعمل لحال إعادته (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) دفق الماء صبّه بقوّة فالدّافق بمعنى المدفوق ، أو المعنى ماء دافق بقوّة الرّطوبات البلّيّة البدنيّة بالتّبخير والتّعريق ، وقيل : استعمل دفق الماء لازما فيكون الدّافق بمعنى المنصبّ بقوّة (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) الصّلب بالضّمّ والصّلب بالتّحريك العظم الّذى من لدن الكاهل الى العجب ، والتّرائب عظام الصّدر أو ما ولى التّرقوتين منه ، أو ما بين الثّديين والتّرقوتين ، أو اربع أضلاع من يمنة الصّدر واربع من يسرته ، أو اليدان والرّجلان والعينان ، أو موضع القلادة.
اعلم ، انّ التّحقيق كما عليه معظم الحكماء انّ النّطفة فضلة الهضم الرّابع وهي تفضل في جميع البدن وتنزل الى البيضتين فهي تخرج من جميع أجزاء البدن لا اختصاص لها بالصّلب والتّرائب ، لكنّ لمّا كان الكليتان ادخل في