جميع أعضائه واجزائه على ما ينبغي (وَالَّذِي قَدَّرَ) لكلّ شيء كمالا خاصّا وغاية مخصوصة (فَهَدى) اى هداه الى ذلك الكمال وتلك الغاية هداية تكوينيّة في جميع الأشياء وهداية اختياريّة تكليفيّة في الإنسان وبنى الجانّ (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) في العالم الكبير والصّغير يعنى بعد ما هدى الأشياء الى كمالاتها وغاياتها هيّأ لها أسباب بلوغها الى ذلك بإخراج المرعى اى الأشجار والنّباتات الّتى بها يتعيّش الإنسان وسائر الحيوان وإخراج جميع القوى والاهوية المكمونة في الإنسان (فَجَعَلَهُ غُثاءً) اى هشيما كالغثاء الّذى تراه فوق السّيل ، والغثاء كغراب القمش والزّبد والبالي من ورق الشّجر المخالط زبد السّيل (أَحْوى) اسود لانّ الكلأ يسودّ إذا يبس في الأغلب ، وهذا تمثيل للحيوة الدّنيا وإخراج القوى والمدارك والاهوية ويبسها بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ ولذلك قال تعالى خطابا لمحمّد (ص) ولمن يتأتّى منه الخطاب بعد ذكر جفاف المرعى (سَنُقْرِئُكَ) يعنى بعد جفاف مرعى القوى والمدارك بالموت الاختياري البتّة نقرئك أو عن قريب نقرئك آيات الأحكام القالبيّة والحكم القلبيّة (فَلا تَنْسى) بعده لانّ الباعث للنّسيان الخروج من دار الذّكر ، وسبب الخروج من دار الذّكر ليس الّا القوى والمدارك ومشتهياتها ، وإذا جعلناها يابسة حواء لم يكن باعث للخروج من دار الذّكر فلم يكن نسيان (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) استثناء مفرّغ من قوله سنقرئك ، أو من قوله فلا تنسى اى سنقرئك جميع ما يمكن ان نقرئك الّا ما شاء الله أو فلا تنسى شيئا منها الّا ما شاء الله فانّك بحسب بشريّتك ومرتبة منك واقع في دار النّسيان فيقع منك نسيان ما بمشيّة الله (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) جواب لسؤال مقدّر وتعليل لقوله : سبّح يعنى سبّح اسم ربّك بقولك المجهور والمخفىّ أو بأعمالك الظّاهرة والباطنة لانّ الله يعلم الجهر والمخفىّ ، أو جواب لسؤال مقدّر ناش عن قوله فلا تنسى الّا ما شاء الله كأنّه قيل : هل يعلم الله تذكّر العباد ونسيانهم؟ ـ فقال : انّه يعلم المذكور الّذى كان ظاهرا على الخيال والمنسىّ الّذى كان مخفيّا عنه ، أو يعلم مطلق الظّاهر والمخفىّ ومنهما المذكور والمنسىّ ، أو جواب سؤال ناش من قوله : والّذى اخرج المرعى بناء على تعميم المرعى للقوى والمدارك والاهوية الانسانيّة كأنّه قيل : هل يعلم الله مخفيّات الإنسان ومكموناته حتّى يخرجها؟ ـ فقال : انّه يعلم الظّاهر من أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه والمخفىّ منها ، ولكون هذا جوابا لسؤال مقدّر عدل عن التّكلّم الى الغيبة (وَنُيَسِّرُكَ) اى نليّنك ونسهّل حالتك «ل» لجهة (لِلْيُسْرى) وهي جهة الكثرات فانّك كنت منزجرا عن الكثرات فارّا منها منقبضا عنها ، وبعد إخراج مرعى وجودك وجعله غثاء تأنس بالكثرات نحو أنسك بالله فانّك تراها مظاهر لله تعالى فيسهل عليك التّوجّه إليها والمحادثة معها ، وقيل فيه غير ذلك فاذا صرت ليّن الجانب بالنّسبة الى الكثرات (فَذَكِّرْ) الخلق بالله وبأحكامه وبالمعاد وجنّته وناره لتكميلهم (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) قيل : شرط للتّذكير يعنى ان لم تنفع فلا تذكّر ، وهذا مناف لتعميم دعوته ، وقيل : المعنى ان نفعت الذّكرى وان لم تنفع ، وقيل : ان بمعنى قد ، وقيل : قال تعالى ذلك بعد ما عمّهم بالتّذكير ولزمت الحجّة ، وقيل : استبعاد لنفعهم بالذّكرى (سَيَذَّكَّرُ) بالله وجنّته وناره (مَنْ يَخْشى) من كان فيه حالة العلم وحالة الخشية (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) اى أشقى الكفّار أو أشقى العصاة فانّ للكفر والعصيان درجات ، والأشقى منهم يبالغ في اجتناب الذّكرى بخلاف غيره فانّه يسمع قليلا ويجتنب ولذلك قال (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) فانّ غيره يصلى النّار الوسطى والصّغرى (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة ينتفع بها فيتعيّش فيها (قَدْ أَفْلَحَ) جواب لسؤال