أو المعنى وجوه يومئذ خاشعة عاملة في جهنّم فانّهم يكلّفون ارتقاء جبل من حديد ، أو المعنى عاملة في الدّنيا ناصبة في الآخرة (تَصْلى ناراً حامِيَةً) في غاية الحرارة بالنّسبة الى نار الدّنيا (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) بالغة في الحرارة غايتها (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) والضّريع شيء في جهنّم امرّ من الصّبر وأنتن من الجيفة واحرّ من النّار ، والضّريع في اللّغة نوع من الشّوك يقال له الشّبرق وهو أخبث طعام وأبشعه لا ترعاه دابّة ، ونقل انّ الضّريع عرق أهل النّار وما يخرج من فروج الزّوانى ، وعن النّبىّ (ص) عن جبرئيل : لو انّ قطرة من الضّريع قطرت في شراب أهل الدّنيا لمات أهلها من نتنها ، وقال القمّىّ : هم الّذين خالفوا دين الله وصلّوا وصاموا ونصبوا لأمير المؤمنين (ع) عملوا ونصبوا فلا يقبل شيء منهم من أفعالهم وتصلى وجوههم نارا حامية ، وفي رواية : كلّ من خالفكم وان تعبّد واجتهد فمنسوب الى هذه الآية : عاملة ناصبة (الآية) وفي حديث في بيان قوله تعالى : هل أتاك حديث الغاشية يغشاهم القائم (ع) بالسّيف خاصّة قال : لا تطيق الامتناع ، عاملة قال : عملت بغير ما انزل الله ، ناصبة قال : نصبت غير ولاة امر الله ، تصلى نارا حامية قال : تصلى نار الحرب في الدّنيا على عهد القائم (ع) ، وفي الآخرة نار جهنّم ، وفي رواية اخرى : الغاشية الّذين يغشون الامام لا يسمن ولا يغني من جوع قال : لا ينفعهم الدّخول ولا يغنيهم القعود (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) وهم اتباع أمير المؤمنين (ع) (لِسَعْيِها راضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) اللّغو واللّاغية السّقط وما لا يعتدّ به من كلام وغيره ، وكلمة لاغية فاحشة (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) العين الجارية أحسن وأبهى ، وماؤها أشهى من العين الواقفة ، وليس جريان عيون الجنّة في الأخاديد بل هي بإرادة مالكها كلّما أراد أجراها على اىّ مكان شاء (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) قيل : انّها مرتفعة ما لم يجيء أهلها ، فاذا جاؤا تواضعت لهم حتّى يجلسوا عليها ، فاذا جلسوا ارتفعت كما كانت (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) على حافّات العيون الجارية ، والكوب قد مرّ انّه كوز لا عروة له ولا خرطوم (وَنَمارِقُ) جمع النّمرق والنّمرقة مثلّثة النّون الوسادة الصّغيرة (مَصْفُوفَةٌ) متّصلة بعضها ببعض على هيئة مجالس الملوك (وَزَرابِيُ) جمع الزّربىّ بالكسر وقد يضمّ النّمارق والبسط أو كلّ ما بسط واتّكأ عليه (مَبْثُوثَةٌ) مبسوطة (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) لمّا وصف الله تعالى الجنّة وما فيها كان ينبغي ان يشتاق النّفوس إليها ويسأل عمّا دلّ عليها وعلى بقاء النّفوس فيها ، فقال تعالى جوابا عن هذا السّؤال : ينبغي ان ينظروا الى الإبل وعجائب خلقتها ، فانّ الله تعالى خلقها عظيمة الجثّة بحيث تحمل أحمالا ثقيلة ، تبرك للحمل ، وتنهض بالحمل ، تتحمّل الجوع والعطش حتّى تقوى على قطع المفاوز البعيدة ، منقادة للأطفال مع عظم جثّتها ، طويلة العنق حتّى يتأتّى لها ان ترعى النّبات قائمة من غير حاجة الى البروك ترعى كلّما تنبت من الأرض حتّى يتأتّى لها البقاء في كلّ صقع من الأرض (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) وفي رفعتها توليد المواليد وتعيّشها وبقاؤها فانّ الكلّ منوط بتأثير الكواكب وتأثير اشعتّها ، ولو لا تلك الرّفعة لما اثّرت تلك التّأثيرات (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) وفي نصبها تهيّة أسباب معاشكم من توليد المعادن فيها ، وتسفيح سفحها ، وتكوّن المياه تحتها وسهولة جريان العيون والقنوات منها (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) وفي تسطيحها سهولة توليد المواليد وسهولة تعيّشكم (فَذَكِّرْ) يعنى إذا كان حال الكفّار كذا وحال المؤمنين كذا والادلّة على ذلك كثيرة فذكّر المؤمنين ترغيبا فيما اعدّ الله لهم والكافرين تحذيرا ممّا يبتلون به بسوء أعمالهم (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) يعنى شأنك بحسب رسالتك التّذكير سمعوا أم لم يسمعوا (لَسْتَ عَلَيْهِمْ