الى المستقبل ، والمراد باللّيل مطلق اللّيل أو ليل المزدلفة فانّه يسير الحاجّ في اوّله من عرفات الى المزدلفة وفي آخره واوّل نهاره من المزدلفة الى منى (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) استفهام تقريرىّ يعنى في تلك الأقسام قسم كاف لذي عقل حقير أو لذي عقل عظيم يعنى انّ صاحب العقل يعلم انّ هذه الأشياء الّتى اقسم بها الله أشياء عظيمة شريفة فيها دلالات بوجوه عديدة على علمه وحكمته وقدرته وعنايته تعالى بخلقه وان كان غير ذي الحجر لا يرى هذه الأقسام شيئا (أَلَمْ تَرَ) هذا الخطاب لمحمّد (ص) أو عامّ وهذا قرينة جواب القسم والتّقدير لنهلكنّ الّذين أفسدوا في الأرض الم تر (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) عاد اسم لقوم هود سمّوا باسم أبيهم فانّ عادا كان عادين ، عادا الاولى ، وعادا الاخرى وقوله تعالى (إِرَمَ) كعنب اسم آخر لعاد ، أو هو اسم جدّ عاد ، أو هو اسم سام بن نوح ، فانّ عادا كان ابن عوص بن آدم بن سام بن نوح (ع) ، وقوم هود كانوا أولاد عاد سمّوا باسم جدّهم وأبيهم ، أو هو اسم لقبيلة هود ، وقيل : هو اسم لقبيلة من قوم هود كان الملك فيهم ، وقيل : هو اسم بلد ، وقيل : هو دمشق ، وقيل : هو مدينة الاسكندريّة ، وقيل : هو اسم لجنّة شدّاد ، وعلى اىّ تقدير فهو بدل من عاد امّا بدل الكلّ من الكلّ ، أو بدل الاشتمال ، فانّه إذا كان اسما للبلد فان أريد به اهله كان بدل الكلّ من الكلّ ، وان أريد به نفس البلد كان بدل الاشتمال (ذاتِ الْعِمادِ) العماد بالكسر الشّجعان من العسكر والابنية الرّفيعة والعمود والاخبية ، وأهل العماد أهل الاخبية ، وقيل : سمّاهم الله ذات العماد لانّهم كانوا أهل الاخبية وكانوا سيّارين لرعى مواشيهم ، وقيل : معناه ذات الطّول والشّدّة ، أو كانوا أهل القصور الرّفيعة ، أو كان فيه شجعان قويّة.
وصف ارم ذات العماد
قيل : خرج رجل يقال له عبد الله بن قلابة في طلب إبل له شردت ، فبينا هو في صحارى عدن إذ هو قد وقع على مدينة عليها حصن فلمّا دنى منها ظنّ انّ فيها أحدا يسأله عن ابله فنزل عن دابّته وعقلها وسلّ سيفه ودخل الحصن ، فاذا هو ببابين عظمين لم ير أعظم منهما مرصّعين بالياقوت الأبيض والأحمر فدهش ، وفتح أحد البابين فاذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها ، فيها قصور فوقها غرف وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذّهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت ، ومصاريع تلك الغرف مثل مصراع المدينة مفروشة كلّها باللّئالى وبنادق من مسك وزعفران ، فلمّا لم يرفيها أحدا هاله ذلك ونظر فرأى أشجارا في أزقّتها مثمرة وتحت الأشجار أنهار جارية من قنوات من فضّة ، فظنّ الرّجل انّها هي الجنّة الموصوفة في القرآن فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزّعفران ، ولم يستطع ان يقلع من زبرجدها وياقوتها وخرج ورجع الى اليمن وأخبر النّاس فانتشر الخبر حتّى بلغ معاوية خبره ، فأرسل اليه فقصّ عليه القصّة فأرسل معاوية الى كعب الأحبار فلمّا أتاه سأله عن ذلك فقال : أخبرك بتلك المدينة وبمن بناها ، بناها شدّاد بن عاد والمدينة ارم ذات العماد الّتى وصفها الله تعالى انّ عادا الاولى أبا قوم هود كان له ابنان شدّاد وشديد فهلك عاد وبقيا وقهرا البلاد ، فهلك شديد وبقي شدّاد مالكا لجميع ملوك الأرض ، فدعته نفسه الى ان بنى مثل الجنّة الّتى وصفها الله لأنبيائه (ع) فأمر ببناء تلك المدينة وامّر على صنعتها مائة قهرمان مع كلّ قهرمان الف من الأعوان ، وكتب الى ملوك الدّنيا ان يجمعوا له ما في بلادهم من الجواهر وأقاموا في بنائها مدّة طويلة ثمّ سار الملك إليها في جنده ووزرائه فلمّا كان منها على مسيرة يوم بعث الله عليه وعلى من معه صيحة من السّماء فأهلكتهم جميعا ، وسيدخلها في زمانك رجل من المسلمين أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له وكان الرّجل عند معاوية فالتفت اليه وقال : هذا والله ذلك الرّجل (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ) اى حفروا الصّخر وقطعوها لبناء البيوت (بِالْوادِ) اى وادي القرى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) قد مضى في سورة ص بيان كونه ذا الأوتاد (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) السّوط الخلط وهو ان تخلط