سورة العلق
مكّيّة ، عشرون آية ، وقيل : تسع عشر آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) في أكثر الاخبار من طرق العامّة والخاصّة انّ هذه السّورة اوّل سورة نزلت عليه (ص) وكانت هذه السّورة في اوّل يوم نزل جبرئيل على رسول الله (ص) واوّل ما نزل كان خمس آيات من اوّلها ، وقيل : اوّل ما نزل سورة المدّثّر ، وقيل : فاتحة الكتاب ، ولفظة الباء في باسم ربّك للسّببيّة أو للاستعانة ، والمعنى انّك كنت قبل ذلك تقرأ بنفسك ، وبعد ما فنيت من نفسك وأبقيت بعد الفناء وارجعت الى الخلق صرت مشاهدا للحقّ في الخلق وفاعلا وقائلا وقاريا بالحقّ لا بنفسك ، فاقرء مكتوبات الله في ألواح الطّبائع والمثال ومقروّات ملائكته عليك ومسموعاتك من وسائط الحقّ تعالى بعد ما رجعت الى الخلق باسم ربّك لا بنفسك ، وقيل : لفظة الباء زائدة ، والمعنى اقرء اسم ربّك والمعنى انّك كنت تقرأ قبل الفناء أسماء الأشياء ، وبعد البقاء ينبغي ان تقرأ اسم ربّك لانّك لا ترى بعد ذلك الّا أسماء الله لا أسماء الأشياء (الَّذِي خَلَقَ) يعنى بعد الرّجوع لا ترى الأشياء الّا مخلوقين من حيث انّهم مخلوقون ، ولمّا كان قوام المخلوق من حيث انّه مخلوق بالخالق بل ليس للمخلوق من تلك الحيثيّة شيئيّة وانانيّة الّا شيئيّة الخالق وانانيّته فلم يكن في نظرك الّا اسم الله الخالق ، ولمّا كان ظهور خالقيّته وإتقان صنعه ودقائق حكمته وحسن صانعيّته بخلق الإنسان والسّير من مقام كماله في خلقه أو في امره وخلقه الى اخسّ موادّه بطريق السّير المعكوس قال تعالى (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) العلق محرّكة الدّم عامّة ، أو الشّديد الحمرة ، أو الغليظ ، أو الجامد منه ، والطّين الّذى يعلق باليد ، والكلّ مناسب (اقْرَأْ) خلق الإنسان بدل من خلق نحو بدل البعض من الكلّ ، أو نحو بدل الكلّ من الكلّ ، أو تأكيد له أو مستأنف وتفسير له ، جواب لسؤال مقدّر أو مفعول لاقرء الثّانى وهو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما اقرء؟ ـ فقال : اقرء خلق الإنسان من علق (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) الكريم السّخىّ الحيّى الّذى يعطى بلا عوض ولا غرض ، ويتحمّل من غير عجز ، ولا يظهر إساءة المسيء في وجهه ، والأكرم البالغ في ذلك ، وهو خبر ربّك أو وصفه (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) اى علّم الإنسان الخطّ بالقلم ، أو علّم جميع ما دون الأقلام العالية جميع ما يحتاجون اليه تعليما وجوديّا أو تعليما شعوريّا بتوسّط الأقلام العالية ، أو أشعر الإنسان بالقلم الطّبيعىّ حتّى حصّل أنواع الخطوط بتوسّطه ، أو أشعر الإنسان بالأقلام العالية وانّها أوائل علله حتّى يطلب التّشبّه بها والوصول إليها (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) بدل أو تأكيد أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر والمراد من التّعليم بالقلم التّعليم الوجودىّ وبتعليم ما لم يعلم التّعليم الشّعورىّ يعنى علّم الإنسان بالتّعليم الشّعورىّ ما لم يعلم بالتّعليم الوجودىّ أو كلاهما عامّ (كَلَّا) ردع وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ان كان الرّبّ الأكرم الّذى علّم الإنسان ما لم يعلم فما له لم يعلم جميع الاناسىّ من اوّل أعمارهم جميع ما لم يعلموا حتّى يستغنوا من اوّل الأمر بحسب العلم؟ ـ فقال : كفّ عن هذا السّؤال وهذا التّمنّى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) خطاب لمحمّد (ص) أو للإنسان ، وجواب لسؤال مقدّر كأنّه (ص) قال : فما له بعد هذا الطّغيان؟ ـ أو كأنّ الإنسان قال : فما لنا بعد الطّغيان؟ ـ قال :