سورة القدر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) اى القرآن ، أبهمه من دون ذكر له تفخيما له بادّعاء انّه معيّن من غير تعيين كما انّ نسبة الانزال الى ضمير المتكلّم وتعيين الظّرف تفخيم له وقد انزل القرآن بصورته (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) الّتى هي صدر محمّد (ص) ، وفي ليلة القدر الّتى هي النّقوش المداديّة والألفاظ الّذى يختفى المعاني تحتها.
اعلم ، انّه يعبّر عن مراتب العالم باعتبار أمد بقائها ، وعن مراتب الإنسان باعتبار النّزول باللّيالى وباعتبار الصّعود بالايّام لانّ الصّاعد يخرج من ظلمات المراتب الدّانية الى أنوار المراتب العالية ، والنّازل يدخل من أنوار المراتب العالية في ظلمات المراتب النّازلة كما انّه يعبّر عنها باعتبار سرعة مرور الواصلين إليها وبطوء مرورهم بالسّاعات والايّام والشّهور والأعوام ، وأيضا يعبّر عنها باعتبار الإجمال فيها بالسّاعات والايّام وباعتبار التّفصيل بالشّهور والأعوام ، وانّ المراتب العالية كلّها ليال ذوو الأقدار وانّ عالم المثال يقدّر قدر الأشياء تماما فيه ويقدّر أرزاقها وآجالها وما لها وما عليها فيه ، وهو ذو قدر وخطر ، وهكذا الإنسان الصّغير وليالي عالم الطّبع كلّها مظاهر لتلك اللّيالى العالية ، فانّها بمنزلة الأرواح لليالى عالم الطّبع وبها تحصّلها وبقاؤها لكن لبعض منها خصوصيّة ، بتلك الخصوصيّة تكون تلك اللّيالى العالية اشدّ ظهورا في ذلك البعض ولذلك ورد بالاختلاف وبطريق الإبهام والشّكّ : انّ ليلة القدر ليلة النّصف من شعبان ، أو التّاسع عشر أو الحادي والعشرون ، أو الثّالث والعشرون ، أو السّابع والعشرون ، أو اللّيلة الاخيرة من شهر رمضان وغير ذلك من اللّيالى ، وعالم الطّبع وكذلك عالم الشّياطين والجنّ بمراتبها ليس بليلة القدر ، وهذان العالمان عالما بنى أميّة وليس فيهما ليلة القدر ، والأشهر المنسوبة الى بنى أميّة الّتى ليس فيها ليلة القدر كناية عن مراتب ذينك العالمين (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) الإتيان بالاستفهامين لتفخيم تلك اللّيلة ، ولمّا لم يمكن بيان حقيقة تلك اللّيلة قال تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر ، في اخبار كثيرة عن طريق الخاصّة : انّ رسول الله (ص) رأى في منامه انّ بنى أميّة يصعدون على منبره من بعده ويضلّون النّاس عن الصّراط القهقهرى فأصبح كئيبا حزينا فهبط عليه جبرئيل فقال : يا رسول الله (ص) ما لى أراك كئيبا حزينا؟ ـ قال : يا جبرئيل انّى رأيت بنى أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلّون النّاس عن الصّراط القهقرى ، فقال : والّذى بعثك بالحقّ نبيّا انّى ما اطّلعت عليه فعرج الى السّماء فلم يلبث ان نزل عليه بآي من القرآن يونسه بها ، قال : أفرأيت ان متّعناهم سنين ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون ما اغنى عنهم ما كانوا يمتّعون وانزل عليه : انّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر ، جعل الله ليلة القدر لنبيّه (ص) خيرا من الف شهر ملك بنى أميّة ، روى انّه ذكر لرسول الله (ص) رجل من بنى إسرائيل انّه حمل السّلاح على عاتقه في سبيل الله الف شهر فعجب من ذلك عجبا شديدا وتمنّى ان يكون ذلك في أمّته فقال : يا ربّ جعلت أمّتي اقصر الأمم أعمارا واقلّها أعمالا فأعطاه الله ليلة القدر وقال : ليلة القدر خير من الف شهر الّذى حمل الاسرائيلىّ السّلاح في سبيل الله لك ولامّتك من بعدك الى يوم القيامة في كلّ رمضان (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) تنزّل نزل في مهلة ومضى في سورة بنى إسرائيل بيان الرّوح وانّه أعظم من جميع الملائكة وانّه ربّ النّوع الانسانىّ (فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بعلمه أو إباحته (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) لأجل كلّ امر قدّر في تلك اللّيلة وقرئ من كلّ امرء بهمزة في آخره يعنى من أجل كلّ إنسان من حيث خيره أو شرّه ، وقيل : من كلّ امر متعلّق بقوله تعالى (سَلامٌ هِيَ) والظّاهر انّه متعلّق بتنزّل ومعنى سلام هي (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) انّ تلك اللّيلة