اى مقدار ذرّة (خَيْراً يَرَهُ) يعنى لا يعزب عن نظر المؤمنين شيء يسير من اعماله ويرى اعماله بصورها وبجزائها ، وامّا شرور المؤمن فامّا ممحوّة أو مغفورة أو مبدلة ، فلا يراها ، أو المعنى فمن يعمل من المؤمن والكافر مثقال ذرّة خيرا يره لكنّ المؤمن يراه في ميزان نفسه والكافر يراه في ميزان المؤمن ، فيزداد تحسّره (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يعنى من يعمل من الكافر فانّ خيرات الكافر تحبط ، وشرور المؤمن قد ذكر انّه لا يراها ، أو من الكافر والمؤمن فانّ المؤمن يرى شروره في ميزان الكافر.
سورة والعاديات
احدى عشرة آية ، مدنيّة ، وقيل : مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) اقسم بالخيل العاديات في الجهاد ، والضّبح صوت أنفاس الخيل وهو مفعول مطلق للعاديات فانّها مستلزمة للضّبح ، أو لفعله المحذوف ، أو حال بمعنى ضابحات (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) ورى الزّند خرجت ناره ، واوريت الزّند أخرجت ناره ، وقدح بالزّند رام إخراج ناره ، عبّر عن خروج النّار من ملاقاة حوافر الخيل والأحجار بالايراء والقدح (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) اى وقت صبح ، وأغار بمعنى عجّل في المشي وأغار على القوم غارة واغارة ، وأغار الفرس اشتدّ عدوه في الغارة (فَأَثَرْنَ بِهِ) اى بالصّبح أو بالعدو (نَقْعاً) اى غبارا (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) الكنود كافر النّعم ، والكافر واللّوّام لربّه تعالى ، والبخيل ، والعاصي ، ومن يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده ، والمراد بالإنسان مطلق الإنسان ، فانّها كما روى نزلت في غزاة علىّ (ع) لأهل الوادي اليابس كانوا اثنى عشر ألفا قد استعدّوا وتعاهدوا وتعاقدوا على ان يقتلوا محمّدا (ص) وعلىّ بن ابى طالب (ع) فأرسل النّبىّ (ص) إليهم أبا بكر فلمّا وصل إليهم ورأى عدّتهم وكثرتهم جبّن وجبن أصحابه ورجع الى رسول الله (ص) فقال الرّسول (ص) : خالفت قولي وعصيت الله وعصيتني ، ثمّ أرسل إليهم عمر ، ففعل مثل ما فعل صاحبه ، ثمّ أرسل إليهم عليّا (ع) وأخبر انّه سيفتح الله على يديه ، فسار علىّ (ع) إليهم في اربعة آلاف من المهاجرين والأنصار وسار بهم غير مسير صاحبيه فانّهما كانا يسيران برفق وسار علىّ (ع) وأتعب القوم حتّى وصل الى مكان يرونهم فلمّا سمع أهل الوادي اليابس بمقدم علىّ (ع) اخرجوا اليه منهم فأتى رجل شاكي السّلاح وخرج علىّ (ع) مع نفر من أصحابه فقالوا لهم : من أنتم؟ ـ ومن اين أقبلتم؟ ـ قال : انا علىّ بن ابى طالب جئنا إليكم لنعرض عليكم الإسلام فان تقبّلوا والّا قتلناكم ، فقالوا : انّا قاتلوك وقاتلوا أصحابك ، والموعود بيننا وبينك وقت الضّحوة من غد ، فانصرفوا وانصرف علىّ (ع) ، فلمّا جنّه اللّيل امر أصحابه ان يحسنوا الى دوابّهم فلمّا انشقّ عمود الصّبح صلّى بالنّاس بغلس ثمّ غار عليهم بأصحابه ، فلم يعلموا حتّى وطئتهم الخيل فما أدرك آخر أصحابه حتّى قتل مقاتليهم ، وسبى ذراريهم ، واستباح أموالهم ، وخرّب ديارهم ، واقبل بالأسارى والأموال معه ، فصعد الرّسول (ص) المنبر قبل وصول علىّ (ع) وأخبر النّاس بما فتح الله على المسلمين وأعلمهم انّه لم يفلت منهم الّا رجلان ، ونزل ، فخرج يستقبل عليّا (ع) في جميع أهل المدينة حتّى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة ، فلمّا رآه علىّ (ع) مقبلا نزل عن دابّته ونزل النّبىّ (ص) حتّى التزمه وقبّل ما بين