من الله في الحضور أو بظهر الغيب ، فانّه قد مرّ في سورة البقرة عند قوله تعالى : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) بيان انّ المؤمن بوجوده يدعو الى الجنّة وان لم يكن له دعوة قالا ، والمراد بالحقّ الولاية فانّها حقة بحقيقة الحقّيّة ، وان كان المراد به الحقّ المطلق كان المراد منه أيضا الولاية لانّ ظهور الحقّ المطلق لا يكون الّا بالحقّ المضاف الّذى هو الولاية ويراد كلّ امر ثابت وكلّ امر غير باطل بإرادة الولاية فانّ الكلّ من شعب الولاية (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) على الحقّ أو بالصّبر مطلقا فانّ جميع أنواع الصّبر الّتى أمّهاتها ثلاث ؛ الصّبر على المصائب ، والصّبر عن المعاصي ، والصّبر على الطّاعات ، راجعة الى الصّبر على الحقّ فانّ المنظور من الصّبر على المصائب ان لا يجزع عند المصيبة لانّ الجزع لا يكون الّا بالغفلة عن الولاية ، والمنظور من الصّبر عن المعاصي عدم خروج النّفس عن انقياد العقل في ادامة الحقّ ، والخروج عن الانقياد لا يكون الّا بالغفلة عن الولاية ، والصّبر على الطّاعة ليس الّا الصّبر على الولاية الّتى هي روح كلّ طاعة ، ولا شكّ انّ المؤمنين إذا التقيا حصل لكلّ بملاقاة الآخر صبر وزيادة توجّه واشتداد ترقّب لوجهته الولويّة ، وليجد المؤمن ذلك من وجوده.
سورة الهمزة
مكّيّة ، تسع آيات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمز الغمز ، والضّغط والنّخس والدّفع والضّرب والعضّ والكسر ، والكلّ من باب نصر وضرب ، واللّمز العيب والاشارة بالعين ونحوها ، والضّرب والدّفع والفعل من البابين ، قيل : المراد بالهمزة الطّعّان ، وباللّمزة المغتاب ، وقيل : العكس ، وقيل : الهمزة الّذى يطعن في وجهك واللّمزة الّذى يطعن في غيابك ، والصّيغتان تستعملان فيما صار عادة وسجيّة ، والرّذيلتان حاصلتان في تركيب الشّيطنة والسّبعيّة والبهيميّة فانّ صاحبهما بشيطنته يتكبّر على النّاس ويحقّرهم وبغضبه يدفع فضل من يتفضّل عليه ، وبشهوته يريد ان يكون ممدوحا في النّاس ، ذا فضيلة عندهم محبوبا لهم ، وإذا اجتمع هذه الخصال يغتاب ويغمز ويطعن في النّاس لرؤية نفسه واستكباره على الخلق وتحقيرهم ، وارادة كونه محبوبا فيهم بظهور النّقص فيهم وعدم ظهوره فيه ، فهما اخسّ الرّذائل (الَّذِي جَمَعَ مالاً) بحرصه الّذى هو نتيجة قوّته الشّهويّة (وَعَدَّدَهُ) اى عدّه مرّة بعد اخرى لحبّه ايّاه أو اعدّه لنوائبه ، والاعداد للنّوائب نتيجة القوى الثّلاث ؛ فانّه بشيطنته يريد الاستكبار على الخلق ويدبّر لذلك ويهيّئ أسبابه ، وبشهوته يحبّ المال ويدّخره ، وبغضبه يريد دفع ما يرد عليه بما ليس ملائما له ويدفع من أراد ان يدفعه عمّا هو عليه فيهيّئ لذلك أسبابه (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) هو على الاخبار ، أو على الاستخبار بتقدير الاستفهام (كَلَّا) ردع له عن هذا الحسبان ، ليموتّن و (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) الحطم الكسر أو خاصّ باليابس ، والحطمة كالهمزة النّار الشّديدة واسم لجهنّم أو باب لها (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) يعنى انّها ليست مثل نيران الدّنيا لا تتجاوز عن الأجسام بل هي تتجاوز عن الأجسام وتصل الى القلب بل الى عليا مرتبة القلب الّتى تلى الرّوح وهي الفؤاد ، وأنموذج ذلك في الدّنيا انّ الموصوف بالرّذيلتين المقهور تحت حكم القوى الثّلاث تحترق نفسه الانسانيّة