لا في المسيء لاشارة خفيّة الى انّ المسيء منفىّ معدوم بخلاف المحسن كأنّه لا يجوز ان يدخل عليه النّفى والّا فسوق العبارة ان يدخل لا الّتى هي لتأكيد النّفى على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فلم لا يظهر الفرق بين المحسن والمسيء؟ ـ فقال : يظهر الفرق عند قيام السّاعة (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) قد مضى في اوّل البقرة وجه عدم الرّيب في الكتاب مع كثرة المرتابين فيه فقس عليه وجه عدم الرّيب في القيامة والسّاعة وظهور القائم (ع) والرّجعة مع كثرة المرتابين فيها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لا يذعنون بها أو لا يؤمنون بالله حتّى يعلموا مجيء السّاعة ، أو لا يؤمنون بك حتّى يصدّقوك في مجيء السّاعة (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) قد مضى في سورة البقرة وفي سورة النّمل بيان تعليق الاستجابة على الدّعاء وكيفيّة الدّعاء وكيفيّة اجابة الله للدّاعين ، من أراد فليرجع اليه ، وهل الظّفر بالمراد بعد الدّعوات والتّصدّقات والبركة في الأموال والأولاد عقيب الصلات من الاتّفاقيّات؟ أو هي من الأسباب للوصول الى المراد؟ ـ قال بعض الفلاسفة : انّ ذلك من الاتّفاقيّات ، وبرهان إنكارهم لسببيّة ذلك انّ العالي لا التفات له الى الدّانى وانّه لا تأثير للدّانى في العالي فلا يكون الظّفر بالمقصود عقيب ذلك الّا محض الاتّفاق ، وصريح الآيات والاخبار يثبت التّسبيب بين الدّعوات والإجابات وبين الصّدقات ودفع البلايا وجذب البركات ، وبين الصّلات وزيادة الأموال والاعمار والأولاد.
تحقيق البداء ونسبة التّردّد والمحو والإثبات الى الله تعالى
وتحقيق ذلك ، انّ العوالم بعد مقام الغيب المعبّر عنه بالعمى الّذى لا خبر عنه ولا اسم له ولا رسم ، وبعد مقام الواحديّة المعبّر عنه بمقام الأسماء والصّفات ، وبعد مقام الفعل المعبّر عنه بالمشيّة بوجه ستّة وبوجه سبعة ، وبوجه سبعون ، وبوجه سبع مائة ، وبوجه سبعة آلاف ، وبوجه سبعون ألفا ، وبوجه غير متناهية ، وانّ كلّ عالم عال بالنّسبة الى الدّانى حاله حال النّفس بالنّسبة الى قواها ومداركها ، وانّ عالم المثال مرتبته من عالم الطّبع مرتبة الخيال الانسانىّ من بدنه وقواه فكما انّ قوى النّفس الخياليّة تتأثّر من بدنها ومن غير بدنها وبذلك التّأثّر يتأثّر الخيال وتأثر الخيال هو بعينه تأثّر النّفس كذلك عالم المثال يتأثّر من عالم الطّبع ، وتأثّره بعينه تأثّر النّفوس الكلّيّة ، وتأثّرها تأثّر العقول الكلّيّة ، وتأثّرها تأثّر المشيّة ، وهو تأثّر الا له ، وكما انّ النّفوس البشريّة بعد التّأثّر من الأبدان وقواها تحرّك قوّتها الشّوقيّة والاراديّة لدفع الموذي أو جذب النّافع كذلك النّفوس الكلّيّة بعد تأثّر قواها المثاليّة الخياليّة تهيّج أسباب دفع الموذي وجذب النّافع لما تأثّرت منه ، وانّ الحوادث كما تكون بأسباب طبيعيّة ارضيّة تكون بأسباب إلهيّة سماويّة وانّ الأسباب السّماويّة قد تؤثّر بتسبيب الأسباب الطّبيعيّة وقد تؤثّر بمحض التّصوّر والارادة لانّها مظاهر ارادة الله ، وافعالها مظاهر افعال الله ، إذا أرادت شيئا تقول له : كن ، فيكون ، من غير تسبيب أسباب طبيعيّة ، وعالم المثال كعالم الخيال يضيق عن الاحاطة بجملة المدركات دفعة بل يرد عليه الصّور بالتّعاقب ويتجدّد عليه الإدراكات متبادلة ولذلك قد يثبت ضرّ شخص أو خيره فيه ثمّ يقع من ذلك الشّخص أو من غيره دعاء لدفع ذلك الضّرّ أو عمل يدفع ذلك الخير فيقع صورة ذلك الدّعاء أو العمل فيه ويقع صورة لازمه من دفع الضّرّ أو دفع الخير فيه ، وكلّما تصوّره النّفوس العالية الجزئيّة أو الكلّيّة يقع صورته في هذا العالم امّا على مجرى العادة وبالأسباب الطّبيعيّة أو خارجا عن مجرى العادة ومن هذه الألواح المثاليّة ينسب البداء الى الله تعالى ، وينسب التّردّد الّذى هو عبارة عن ترجيح أحد المتصوّرين تارة والآخر اخرى ، فانّه إذا تعارض دعاء مؤمن لشخص بالخير ودعاء آخر عليه بالشّرّ فيثبت صورة دعاء هذا تارة مع لازمها وصورة دعاء ذاك اخرى مع لازمها ، فيظهر في نظر النّاظر صورة التّردّد