اللّطيفة الّا بالتّكرار ، والوجه الاخر للتّكرار انّ السّورة في مقام التّبرّى وإظهار السّخط والمغايرة ، والتّكرار مناسب لهذا المقام ، ويجوز ان يكون لفظة ما مصدريّة في المواضع الاربعة أو في الموضعين الأخيرين ، والإتيان بما في قوله تعالى : ما اعبد ، على تقدير كون ما موصولة دون من للمشاكلة لقوله : ما تعبدون ولانّ المناسب لمقام التّبرّى والسّخط والمحاجّة الإتيان باللّفظ العامّ دون الخاصّ وليطابق اعتقادهم لتصوّرهم انّ ربّ السّماوات والأرض يكون مثل أربابهم ، نقل انّه سأل ابو شاكر الدّيصانىّ أبا جعفر الأحول عن وجه التّكرار وقال : هل يتكلّم الحكيم بمثل هذا القول ويكرّر مرّة بعد مرّة؟! فلم يكن عند الأحول في ذلك جواب فدخل المدينة فسأل الصّادق (ع) عن ذلك فقال : كان سبب نزولها وتكرارها انّ قريشا قالت لرسول الله (ص) تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ؛ فأجابهم الله بمثل ما قالوا (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ليس هذه متاركة وإباحة حتّى يقال : انّها منسوخة بآية القتال بل هي أيضا تهديد بليغ لهم مثل قوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ).
سورة النّصر
مدنيّة : ثلاث ايات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قيل هذه آخرة سورة نزلت عليه (ص) كما ان (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) كانت اولى سورة نزلت عليه ، وقيل : نزلت في حجّة الوداع بمنى ، وقيل : عاش (ص) بعدها سنتين ، وقيل : مات من سنته ، وقال (ص) بعد نزول السّورة : نعيت الىّ نفسي ، وروى انّه بكى العبّاس بعد نزولها فقال : ما يبكيك يا عمّ؟ ـ قال : نعيت إليك نفسك ، قال : انّه لكما تقول ، واستفادة نعى نفسه (ص) من السّورة تكون من القرائن المنضمة والحاليّة الّتى تكون بين المتخاطبين وان لم يكن في اللّفظ ما يدلّ صريحا عليه ، واعلم انّ النّصر والفتح يطلقان بمعناهما المصدرىّ ويراد بهما النّصرة على الأعداء وفتح البلاد ، واستعمال المجيء فيهما من باب الاستعارة وتشبيه النّصرة والفتح بالجائى ، ويطلقان على نصرة الإنسان على أعدائه الباطنة وعلى فتح باب القلب ، ويطلقان على معنى حقيقىّ هو الملك النّازل على صدر النّبىّ (ص) ، وصورة ولىّ الأمر النّازلة على صدر السّالك ، وكما تكون نصرا من الله على الأعداء الظّاهرة والباطنة تكون فتحا من الله ، وبها تكون الفتح الظّاهر والباطن ويطلقان على النّصر المطلق الّذى لا نصر بعده وهو النّصر في الخروج من جميع قيود الإمكان ، والفتح المطلق الّذى هو فتح الغيب المطلق وهو الخروج من مقام الإمكان والعروج من مقام الواحديّة الى الاحديّة وهو مقام القدس والتّقديس ، ولمّا كان النّصر مضافا الى الله والفتح مطلقا كان المراد هذا النّصر وذلك الفتح وقد يستنبط نعى نفسه (ص) من هذا فانّ النّصر المطلق والفتح بهذا المعنى قلمّا يكون بدون وقت الارتحال (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) لمّا فتح الله تعالى مكّة صار جميع الاعراب في الأطراف ذليلا منقادا لمحمّد (ص) وكانوا يدخلون في الإسلام من دون مقاتلة ودعوة ، والدّين كما يطلق على الملّة وعلى الولاية الّتى هي الطّريق الى الله بحسب التّكليف والاختيار يطلق على مطلق الطّريق الى الله تكوينا أو تكليفا لذوي الشّعور أو غير ذوي الشّعور ، وإذا ارتفع القيود والحدود عن نظر الكامل يرى الكلّ داخلين في دين الله يعنى في طريق السّلوك الى الله بل يرى الكلّ عقلاء علماء عرفاء ساعين الى الله والى مظاهره اللّطفيّة والقهريّة ولا يرى شيئا من الموجودات