بيان السعادة
واعلم ، انّ الأنبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف أحوالهم ، فانّه إذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ماله من نسبة الأفعال والأوصاف والذّات ولم يبق في وجوده الّا فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاما الهيّا بشريّا ويسمّى حديثا قدسيّا ، وإذا تنزّل عن ذلك المقام باقيا ببقاء الله متوجّها الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة أو خلافة النّبوّة ، أو متوجّها الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة أو خلافة الرّسالة ، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والإلهام وكلّما شاهد في عالم المثال في هذه الحال أو قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثا نبويّا ، وإذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير إظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاما بشريّا ، وإذا كان خطاب الله في تلك الأحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاما الهيّا وكتابا سماويّا ، فان كان النّبىّ (ص) في مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات ، وان كان في مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية ، وكان الكلام في المقام الاوّل مشتملا على التّنزيه ونفى النّسب والإضافات ، وفي المقام الثّانى مشتملا على الإضافات واحكام الكثرات : ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد ، وسورة الإخلاص ، وسورة الولاية ، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية ، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى : قل هو الله أحد خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلا وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى : قل أعوذ بربّ الفلق ، وقل أعوذ بربّ النّاس ، وأمثال هذين.
اعراب سورة الإخلاص
واعراب السّورة المباركة بحسب الوجوه المحتملة كثيرة : فأقول ، لفظ هو ضمير الشّأن أو ضمير يشاربه الى مقام الغيب لتعيّنه في الأذهان أو ادّعاء تعيّنه أو هو علم واسم لمقام الغيب ، وعلى الأخيرين فالله بدل منه أو عطف بيان أو خبر أو مبتدء ثان ، واحد خبره والجملة خبر هو واكتفى عن العائد بتكرار المبتدء بالمعنى ، وأحد خبر أو خبر بعد خبر والله الصّمد مبتدء وخبر ، أو صفة وموصوف وخبر بعد خبر أو مبتدء وخبره لم يلد ، وعلى تقدير كونه مبتدء فالجملة خبر بعد خبر أو حاليّة أو مستأنفة جواب لسؤال عن حاله تعالى في نفسه أو عن علّة الحكم ولم يلد خبر أو خبر بعد خبر أو حال أو مستأنفة جواب لسؤال عن حاله تعالى مع غيره أو عن علّة الحكم ، وإذا كان هو ضمير الشّأن فالله أحد خبره والله الصّمد مبتدء وخبر وخبر بعد خبر لهو أو خبر بعد خبر لله أو حال أو مستأنفة في مقام السّؤال عن الحال أو عن علّة الحكم أو الله الصّمد موصوف وصفة وخبر بعد خبر لله ، أو مبتدء ولم يلد خبره والجملة خبر بعد خبر لهو أو لله أو حال أو مستأنفة.
معنى الأحد
واحد يقال بمعنى الواحد سواء جعل مهموزا في الأصل أو واويّا ويوم من الايّام ، ويقال للأمر المتفاقم احدىّ الأحد ، ويقال : فلان أحد الاحدين وواحد الاحدين وواحد الآحاد واحدىّ الأحد لا مثل له ، وقد يستعمل الأحد خاصّا بالله والوجه انّ في الأحد مبالغة في الوحدة والبالغ في الوحدة ان لا يكون فيه شوب كثرة بوجه من الوجوه لا كثرة العدد ولا كثرة الاجزاء المقداريّة ولا كثرة الاجزاء الخارجيّة من المادّة والصّورة ولا كثرة الاجزاء العقليّة من الجنس والفصل أو من المهيّة والوجود ، وبهذا المعنى لا يوصف به الّا الله ، ولهذه المبالغة خصّص الأحد في اصطلاحهم بمقام الغيب الّذى ليس فيه كثرة ولا لحاظ كثرة وقالوا : الأحد اسم لمقام الغيب الّذى