بالمحاربة ونازع الله ، أعاذنا الله منها ، ولذلك ترى انّ أكثر المعاندين لأهل الحقّ هم المتشبّهون بالعلماء المتصوّر نفوسهم بصور العلوم الحكميّة أو غيرها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) اى العذاب أو الفعل والقول الّذى كانوا به يستهزؤن (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) عذابنا عند معاينة الموت (قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) والمراد بما أشركوا به الأصنام والكواكب ورؤساء الضّلالة الّذين اشركوهم بالأنبياء والأولياء (ع) خصوصا من اشركوه بعلىّ (ع) في الولاية فانّهم حينئذ يرون بطلان الشّركاء (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) لانّ الايمان حين رؤية البأس ليس الّا لخوف الخيال لا لشوق العقل ولذلك كانوا لو زال الخوف لعادوا كما قال تعالى : ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه فلم يك ينفعهم ايمانهم لمّا رأوا بأسنا يعنى انّهم تمكّنوا في الكفر والنّفاق بحيث لا يعقلون منه وكلّما أرادوا ان يخرجوا منه من غمّ أعيدوا فيه لتمكّنهم فيه بحيث لا يزال عنهم (سُنَّتَ اللهِ) سنّ الله عدم قبول التّوبة حين رؤية البأس يعنى عدم قبول التّوبة إذا كان من غمّ وخوف السّنة (الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ) المقام أو الزّمان (الْكافِرُونَ) لانّ المقام مقام ظهور الحقّ وبطلان الباطل.
سورة حم السّجدة
اربع وخمسون آية ، مكّيّة كلّها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) بعد ان كان في المقام العالي مجملا ومجموعا (قُرْآناً) حالكونه قرآنا ومجموعا في المقامات العالية ومجموعا ومضموما فيه الأحكام مع المواعظ والعبر والقصص والعقائد والعلوم (عَرَبِيًّا) يعنى بلغة العرب أو منسوبا الى العرب دون الاعراب من حيث اشتماله على الآداب والأحكام والعلوم (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعنى هذه الأوصاف للكتاب لقوم يعلمون لا لغيرهم ، أو كونه منسوبا الى العرب لقوم يعلمون اى لقوم خرجوا من جهالاتهم السّاذجة وجهالاتهم المركّبة الّتى هي صور العلوم العاديّة ونقوش الفنون الاصطلاحيّة الى دار العلم الّتى اوّل حريم حرمها مقام الإنصات للإنسان والتّحيّر في طريقه ، وآخر مقاماته نشر العلم في العباد ، أو لقوم يعلمون انّ ذلك الكتاب منزل من الله (بَشِيراً) لمن بقي فيه الفطرة الانسانيّة وتوجّه الى تلك الفطرة (وَنَذِيراً) لمن أدبر عن تلك الفطرة سواء كان بايع كلّ منهما البيعة التّكليفيّة العامّة أو الخاصّة أو لم يبايع (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) عن هذا الكتاب (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لا يقبلون فانّ السّماع كناية عن القبول والانقياد كما انّه كناية عن ثانى مقامات العلم (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) اى ثقل وهو كناية عن الصّمم (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) بيننا وبينك من حيث ادّعائك للرّسالة حجاب يمنعنا عن ابصار