الدُّنْيا) بالنّسبة الى من كان نزول الملائكة عليه خاصّا بوقت الاحتضار انّا كنّا في الحيوة الدّنيا اولياؤكم كنّا نحرسكم ونحفظكم ونثبّتكم على الخير ، وبالنّسبة الى من تنزّل الملائكة عليه مطلقا فالمعنى ظاهر ، وعن الصّادق (ع) انّه قال : استقاموا على الائمّة (ع) واحدا بعد واحد ، وعن الرّضا (ع) انّه سئل : ما الاستقامة؟ ـ قال : هي والله ما أنتم عليه (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) في الدّنيا بالنّسبة الى الأنبياء والأولياء (ع) وبعض الاتباع ، وفي آخر الحيوة الدّنيا بالنّسبة الى بعض الاتباع (أَلَّا تَخافُوا) ان تفسيريّة ولا ناهية أو مصدريّة ولا ناهية أو نافية اى مخاطبين بان لا تخافوا (وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بواسطة الأنبياء (ع) (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قد مضى بيانه آنفا (وَفِي الْآخِرَةِ) يعنى من اوّل مقامات البرزخ الى الأعراف ومن الأعراف الى الجنّة وبعد الدّخول في الجنّة الى الأبد (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) اى ذواتكم أو ما تشتهي أنفسكم الّتى هي مقابل عقولكم لانّ العقول تشتاق الى الرّبّ ، والاشتهاء خاصّ بالنّفوس يعنى انّكم منعتم نفوسكم عن مشتهياتها في الدّنيا فتفضّل الله عليكم في الآخرة بتهيّؤ ما تشتهي أنفسكم لها (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) تطلبون سواء كان باقتضاء نفوسكم أو باشتياق عقولكم (نُزُلاً) حالكون ما تشتهي نفوسكم وما تدّعون مهيّأ لكم لتشريف نزولكم (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) عن الصّادق (ع) قال : ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا الّا ويحضره رسول الله (ص) وأمير المؤمنين والحسن (ع) والحسين (ع) فيرونه ويبشّرونه ، وان كان غير موال يراهم بحيث يسوءه ، والدّليل على ذلك قول أمير المؤمنين (ع) لحارث الهمدانىّ :
يا حار همدان من يمت يرنى |
|
من مؤمن أو منافق قبلا |
وفي تفسير الامام (ع) عند قوله تعالى : (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) من سورة البقرة ، قال رسول الله (ص) : لا يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ولا يتيقّن الوصول الى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له ، وذلك انّ ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدّة علّته وعظيم ضيق صدره بما يخلّفه من أمواله وبما هو عليه من اضطراب أحواله من معامليه وعياله قد بقيت في نفسه حسراتها واقتطع دون امانيّه فلم ينلها ، فيقول له ملك الموت : مالك تجرّع غصصك؟ (١) قال لاضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالى! ـ فيقول له ملك الموت : وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض الف الف ضعف الدّنيا؟ فيقول : لا ، فيقول ملك الموت ، فانظر فوقك ، فينظر فيرى درجات الجنان وقصورها الّتى يقصر دونها الامانىّ ، فيقول ملك الموت : تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك ومن كان من أهلك هاهنا وذرّيّتك صالحا فهم هنالك معك ، أفترضى بهم بدلا ممّا هاهنا؟ فيقول : بلى والله ، ثمّ يقول : انظر ، فينظر فيرى محمّدا (ص) وعليّا (ع) والطّيّبين من آلهما في أعلى عليّين ، فيقول : أو تريهم؟! هؤلاء ساداتك وائمّتك هم هناك جلّاسك وانّاسك ، أفما ترضى بهم بدلا ممّا تفارق هنا؟ ـ فيقول : بلى وربّى ، فذلك ما قال الله عزوجل : انّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة الّا تخافوا ولا تحزنوا فما أمامكم من الأحوال فقد كفيتموها ولا تحزنوا على ما تخلّفونه من الذّرارى والعيال فهذا الّذى شاهدتموه في الجنان بدل منهم وأبشروا بالجنّة الّتى كنتم توعدون وهذه منازلكم وهؤلاء ساداتكم أنّاسكم وجلّاسكم (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) يعنى ممّن دعا الى الله في مملكة وجوده أعوانه وجنوده إذا لم يكن من أهل دعوة غيره الى الله أو ممّن دعا أهل العالم الكبير إذا كان نبيّا أو خليفته (ع) والجملة معطوفة على جملة انّ الّذين قالوا باعتبار المعنى فانّه في معنى لا أحسن قولا أو حاليّة بهذا الاعتبار أو بتقدير القول وعلى اىّ تقدير فهي في معنى التّعليل (وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ
__________________
(١) ـ غصص بالطعام والماء اعترض في حلقه فمنعه التنفس.