إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)يعنى لا أحسن قولا ممّن دعا بأفعاله وأقواله وأحواله وأخلاقه الى الله وعمل صالحا بأركانه اى صالحا عظيما هو الولاية الحاصلة بالبيعة الخاصّة أو نفس البيعة الخاصّة فانّه لا يراد به فرد من الصّالح لدلالته حينئذ على انّ من دعا الى الله وعمل صالحا ما ، وان كان ترك جملة الصّالحات يكون أحسن قولا من جميع الخلق ، فانّ هذه العبارة قد مرّ مرارا انّها تستعمل في هذا المعنى وان كان مفهومها اعمّ ، أو المراد فرد ما من الصّالح والمقصود انّ من بايع البيعة الخاصّة ودخل الايمان في قلبه وأظهر اثر تلك البيعة على أعضائه من دعائه الى الله بحاله وقاله ومن عمله بأركانه صالحا ما من الصّالحات وأظهر اثر تسليمه على لسانه بان يقول : انّنى من المسلمين فانّه قد يؤتى بهذه العبارة عند المبالغة في امر الولاية كما ورد انّ الله فرض على خلقه خمسا ، فرخّص في اربع ولم يرخّص في واحدة أشار الى الولاية ، وهذا من باب المبالغة في امر الولاية ، وأمثال هذا الخبر للمبالغة في الولاية عنهم كثيرة ، وللاشارة الى انّه يلزم ظهور اثر التّسليم على اللّسان قال تعالى : وقال انّنى من المسلمين ولم يقل وكان من المسلمين وكما انّ الآية السّابقة كانت في علىّ (ع) وشيعته من غير اختصاص لها بعلىّ (ع) أو بالأئمّة (ع) كذلك هذه الآية لا اختصاص لها بعلىّ (ع) والائمّة (ع) بل تجري في شيعتهم كما ذكرنا (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) تمهيد لما يأتى وتعليل لما مضى والاعتقاد بعدم استواء الحسنة والسّيّئة من الفطريّات فمن اختار عليه غيره ممّن اطّلع عليهما كان خارجا من الفطرة (ادْفَعْ) سيّئة من أساء إليك «ب» الفعلة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقد مضى بيان هذه الآية في سورة المؤمنون (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) اى محبّ قريبّ في النّسب وقد فسّر في الخبر الحسنة بالتّقيّة والسّيّئة بالإذاعة وهو وجه من وجوه الآية ، ويجوز ان يفسّر الّتى هي أحسن بالولاية اى ادفع سيّئات نفسك وسيّئات غيرك بتذكّر جهة الولاية أو قبول الولاية أو بتذكيرهم بالولاية ولعلّ التّعبير عن الاساءة بالسّيّئة كان لهذا الوجه (وَما يُلَقَّاها) اى هذه السّجيّة والخصلة الّتى هي دفع الاساءة بالحسنة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) لانّ النّفس في جبلّتها هيجان الغضب عند ورود ما لا يلائم ، والغضب اقتضاؤه الدّفع بأشدّ ما يمكن فمن لا يمكن له حبس النّفس عن هيجان غضبها لا يدرك من هذه الخصلة شيئا (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من كمالات الإنسان وقد قيل بالفارسيّة : «نيكى را نيكى خر خارى ، بدى را بدى سگ سارى ، بدى را نيكى كار عبد الله أنصاري» والخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) مع التّعريض بامّته (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) نزغه كمنعه طعن فيه واغتابه ووسوس وبينهم أفسدوا غرى (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) مصدر بمعنى الفاعل أو من قبيل جدّ جدّه يعنى ان يوسوسك من قبل الشّيطان موسوس أو يطعن فيك طاعن أو يدفعك دافع حال أرادتك الإحسان الى المسيء (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من نزغه فانّه يعيذك (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لاستعاذتك (الْعَلِيمُ) باستجارتك ، أو فاستعذ بالله من طاعته فانّه السّميع لاقتصاصك القولىّ ، العليم لاقتصاصك الفعلىّ فيؤاخذ عليه.
سجدة واجبة
(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ) عطف باعتبار المعنى كأنّه توهّم متوهّم انّه قال : من آياته من دعا الى الله ومن آياته عدم استواء الحسنة والسّيّئة فقال تعالى : ومن آياته اللّيل والنّهار (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) قد مضى مكرّرا انّ في انتضاد اللّيل والنّهار الطّبيعيّين واتّساق حركة الشّمس والقمر وتخالف اللّيل والنّهار بالظّلمة والنّور والبرودة والرّطوبة والحرارة واليبوسة والاتّساق في الزّيادة والنّقيصة وغير ذلك من لوازم ذلك الّذى نيط بها توليد المواليد وبقاؤها وتعيّشها آيات عديدة دالّة على علمه وقدرته وربوبيّته ورأفته بخلقه وغير ذلك من إضافاته (لا تَسْجُدُوا) تفريع على سابقه لكنّه ادّاه بطريق الجواب لسؤال مقدّر ليتمكّن حال الشّمس والقمر في ذهن السّامع (لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) لكونهما من آياته تعالى ولا يخفى