تكرّر سابقا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) الّذين يقومون آناء اللّيل ساجدا وقائما فانّ العلم يلزمه ذلك لتلازم العلم والعمل كما سبق في فصول اوّل الكتاب (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فيكفرون بالله ، أو بنعمه ، أو بالرّسول (ص) ، أو بعلىّ (ع) (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) عدم التّسوية بينهما (أُولُوا الْأَلْبابِ) لا غيرهم كأنّه قال : لكن لا فائدة في تذكرتك ذلك لخلوّهم من اللّبّ ومن كان خاليا عن اللّبّ لا يتذكّر ولو ذكر له كلّ آية وأتى له بكلّ آية ، وقد تكرّر انّ الإنسان بدون تأبير الولاية وبدون الاتّصال بولىّ الأمر كالجوز الخالي من اللّبّ اللّائق للنّار ، وبعد الاتّصال والدّخول في امر ـ الائمّة (ع) ودخول الايمان في القلب الّذى هو بمنزلة لبّ القلب يصير ذا لبّ ولذلك فسّروا عليهمالسلام اولى الألباب في الآيات بشيعتهم بطريق الحصر ، عن الباقر (ع) : انّما نحن الّذين يعلمون ، وعدوّنا الّذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب ، وعن الصّادق (ع) : لقد ذكرنا الله وشيعتنا وعدوّنا في آية واحدة من كتابه فقال : (هَلْ يَسْتَوِي) (الآية) ، وبتلك المضامين اخبار كثيرة (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا) امره (ص) ان يخاطب عبيده بنسبة عبديّتهم الى نفسه اشعارا بانّه (ص) خليفة له في أرضه بل في أرضه وسمائه ومظهر لجميع أوصافه ونسبه فكلّ من كان عبدا له تعالى يكون عبدا لخليفته (ص) عبد طاعة لا عبد عبادة (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) اى سخطه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا) متعلّق بأحسنوا أو حال عن قوله تعالى حسنة فانّ المحسن كما يكون له الحسنى في الآخرة يكون له الحسنة الّتى هي سهولة الطّريق والسّلوك عليه والالتذاذ به في الدّنيا ، ونعم ما قال المولوىّ في تفسير الحسنة في الدّنيا والآخرة بقوله :
آتنا في دار دنيانا حسن |
|
آتنا في دار عقبانا حسن |
راه را بر ما چو بستان كن لطيف |
|
مقصد ما باش هم تو اى شريف |
والجملة في موضع تعليل بملفوظها ومحذوفها لمنطوق قوله تعالى اتّقوا ربّكم ومفهومه كأنّه قال : اتّقوا سخطه فانّ العاصي معذّب والمطيع مثاب ، لانّه للّذين أحسنوا (حَسَنَةٌ) وللّذين أساؤا عقوبة (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) فان لم تتمكّنوا من الإحسان في ارض فهاجروا الى ارض يمكنكم الإحسان فيها (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : ان لم يمكن الهجرة فما لمن صبر على مشاقّ الإحسان في محلّ يشقّ عليه الإحسان؟ أو كأنّه قيل : فما لمن هاجر وصبر على مشاقّ الهجرة؟ أو كأنّه قيل : ما لمن صبر على الإحسان في الأوطان؟ أو على الهجرة؟ فقال : انّما يوفّى الصّابرون على ذلك (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) كناية عن عظمة الأجر وكثرته ، وفي الاخبار اشارة الى انّ المراد إعطاء الأجر بدون محاسبة الأعمال (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) اى طريق السّلوك أو اعمال الملّة عن اشراك الشّيطان واشراك النّفس ومداخلة الهوى فاعبدوا ما شئتم وأشركوا في الدّين والأعمال ما شئتم فهو تعريض بهم وبانّ اشراكهم غير مرضىّ لله وغير مأمور به منه تعالى (وَأُمِرْتُ) بذلك (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) فمن شاء ان يكون اقدام المسلمين فليعبد مخلصا له الدّين ، أو المعنى : أمرت بان أكون اوّل المسلمين ، فيكون اللّام زائدة للتّقوية (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) في ترك ما أمرني به من إخلاص الدّين (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فافعلوا ما شئتم من الإشراك والإخلاص (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) تقديم الله للحصر يعنى قل امتثل امره واعبده (مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وأشركوا في دينه ما شئتم (قُلْ) أنتم خاسرون لاضراركم بأنفسكم وقواها وجنودها ، وهذا الخسران هو الخسران العظيم (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ)