ومعنى الاستدراك والمعنى لكنّه يعفو عن كثير (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) قرئ بالجزم وبالرّفع وهو واضح ، وقرئ بالنّصب بجعل الواو بمعنى مع ونصب الفعل بعده (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) مخلص من العذاب (فَما أُوتِيتُمْ) عطف وتعقيب باعتبار الاخبار يعنى إذا علمتم ذلك فاعلموا انّ ما أوتيتم (مِنْ شَيْءٍ) من حيث انّكم من أبناء الدّنيا (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ولا بقاء له ولا خلوص من شوب الآلام وخوف الزّوال (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) لعدم شوبه بالآلام وخوف الزّوال (وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا) متعلّق بخير وأبقى ، أو خبر مبتدء محذوف اى ذلك للّذين آمنوا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) والمراد بالايمان الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة فيكون قوله وعلى ربّهم يتوكّلون اشارة الى الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) جمع الفاحشة الزّنا مخصوصا ، أو ما يشتدّ قبحه من الذّنوب ، أو كلّ ما نهى الله عزوجل عنه ، وعلى الاوّلين يكون من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام به ، ويجوز ان يكون عطفا على الإثم وعلى كبائر الإثم ، وعلى الثّالث يكون مرادفا للاثم وعطفا عليه تأكيدا وقد سبق في سورة النّساء بيان الكبيرة والصّغيرة عند قوله : ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) هم مبتدء ويغفرون خبره والجملة جواب بحذف الفاء ، أو بجعل إذا خالية من معنى الشّرط ، أو لعدم حاجتها الى الفاء لضعف معنى الشّرطيّة فيها ، أو هم تأكيد للضّمير المتّصل أو فاعل غضبوا راجع الى النّاس وهم مفعول غضبوا بحذف الخافض اى إذا غضب النّاس عليهم يغفرون ، أو هم فاعل فعل محذوف والمذكور يفسّره (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) في دعوة خلفائه (ع) دعوة عامّة اسلاميّة أو دعوة خاصّة ايمانيّة ، أو الّذين استجابوا لربّهم المضاف وهو ربّهم في الولاية في دعوته الباطنة الى الولاية (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) بعد قبول الولاية فانّ اقامة الصّلوة لا يتيسّر لأحد بدون قبول الولاية (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) اى أمرهم ذو شورى يعنى يستشيرون في أمورهم ولا يستبدّون بآرائهم لخروجهم من انانيّاتهم واعتماد كلّ على الآخر في طلب الخير وبيانه له (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) قد مضى في اوّل البقرة بيان اقامة الصّلوة وكيفيّة الإنفاق وفي سورة النّساء عند قوله : لا تقربوا الصّلوة وأنتم سكارى بيان معاني الصّلوة (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) هم تأكيد للضّمير المنصوب ، أو مبتدء مثل هم يغفرون ، ولمّا كان الانظلام مذموما ومعدودا من الرّذائل ذكرهم بوصف الانتصار يعنى انّ شأنهم الانتصار ، وامّا العفو عن المسيء وترك الانتقام مع وجود قوّة المدافعة في المظلوم فليس انظلاما مذموما بل هو عفو ممدوح ، والانظلام ان لا يكون في المظلوم قوّة ثوران الغضب عند الظّلم ، ولمّا كان النّفس المنتصرة لا تقنع في الانتصار بقدر الظّلم بل تطلب الزّيادة على الجناية قال تعالى : تأديبا لعباده (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) وسمّى الثّانية سيّئة للمشاكلة ، أو لانّها إساءة بالنّسبة الى الجاني يعنى لا تزيدوا في الانتصار عن المماثلة (فَمَنْ عَفا) عن المسيء بترك الانتقام بعد الاقتدار عليه ، والجملة معطوفة على جملة جزاء سيّئة سيّئة والفاء للتّرتيب في الاخبار يعنى إذا علمت انّ التّجاوز في الانتصار عن المماثلة ليس جزاء للسّيّئة بل كان ظلما فاعلم انّ من عفى (وَأَصْلَحَ) إساءة المسيء بالعفو (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) غاية تفخيم للعفو حيث لا يوكّل اجره الى غيره (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) جواب سؤال مقدر كأنّه قيل : أيحبّ الله الظّالم فيأمر بالعفو عنه؟ ـ فقال : انّه لا يحبّ الظّالمين فلا يرغّب في العفو