حبّا لهم بل حبّا للمؤمنين بتعرّضهم للثّواب الجزيل ، أو تعليل لقوله ينتصرون أو لقوله جزاء سيّئة سيّئة أو لقوله فمن عفى وأصلح فأجره على الله اى لما يستفاد منه من التّرغيب على العفو كأنّه قال : انّ الانتقام نحو ظلم بالنّسبة الى القوّة العاقلة الّتى شأنها العفو فانّ شأنه شأن الله العفوّ الغفور ، وانّه لا يحبّ الظّالمين فاتركوا الانتقام واعفوا عن المسيء (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) عطف فيه رفع توهّم انّ المنتصر ظالم وغير محبوب فكان له مؤاخذة دنيويّة وعقوبة اخرويّة (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) لا في الدّنيا ولا في الآخرة (إِنَّمَا السَّبِيلُ) في الدّنيا بالمؤاخذة وفي الآخرة بالعقوبة (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) في العالم الصّغير أو الكبير (بِغَيْرِ الْحَقِ) والمنتصر وان كان ظالما بوجه على المسيء وعلى قوّته العاقلة لكنّه ظلم بالحقّ (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ) اى لكن من صبر عن الانتقام (وَغَفَرَ) بتطهير القلب عن الحقد على المسيء (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) اى الأمور الّتى ينبغي ان يعزم عليها لكونها من اجلّ الخصال (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) استدراك اى ولكن من يضلل الله عن هاتين الخصلتين بالاقدام على الاقتصاص (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) سمّى عدم الوصول والاهتداء الى تينك الخصلتين ضلالا لانّه انحراف عن الكمال الانسانىّ الّذى هو الجادّة الى الله ، أو المعنى ومن يضلله الله بالجناية والظّلم على العباد بغير الحقّ (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) الخطاب خاصّ بمحمّد (ص) وحينئذ جاز ان يكون ترى للاستقبال وجاز ان يكون للحال فانّه يرى حالهم في الحال ، أو الخطاب عامّ وحينئذ يكون للاستقبال أو للحال بمعنى ينبغي ان ترى (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) اى على النّار قبل دخولهم النّار (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) والخشوع من الذّلّ لا ينفع بخلاف الخشوع من الحبّ فانّه متى وجد نفع (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) الطّرف العين أو حركة جفنيها ، فان كان بمعنى العين فالمعنى من طرف خفىّ النّظر ، وان كان بمعنى حركة الجفنين فالمعنى ينظرون نظرا ناشئا من حركة خفيّة لاجفانهم والمقصود انّهم لغاية خوفهم ووحشتهم لا يقدرون على النّظر التّامّ الى النّار (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) التّأدية بالماضي لتحقّق وقوعه ان كان المراد انّهم يقولون يوم القيامة ذلك بعد ما رأوا الظّالمين في العذاب أو لكونه بالنّسبة الى محمّد (ص) ماضيا ، أو المعنى قال الّذين آمنوا في حال الحيوة الدّنيا بعد ما علموا بحال الظّالمين وسوء عاقبتهم (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا) يعنى انّ الخاسرين هؤلاء الظّالمون الّذين خسروا (أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) هذا من قول المؤمنين أو من الله (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ) هذا أيضا من المؤمنين أو من الله (يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) الى الخير والنّجاة (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) هذا بمنزلة النّتيجة وجواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما نفعل حتّى لا نكون ظالمين؟ ـ فقال : استجيبوا لربّكم المطلق في دعوة مظاهره وخلفائه أو لربّكم المضاف الّذى هو ربّكم في الولاية (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) المراد باليوم البليّة والعذاب فانّه كثيرا ما يستعمل فيها ، أو المراد يوم الموت أو يوم القيامة ، والضّمير المجرور راجع الى صاحبه أو عذابه اى لا مردّ لصاحبه الى الدّنيا ، أو لعذابه عن اهله ، أو المعنى لا مردّ بتأخيره (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) يعنى لا تقدرون على إنكاره أو ما لكم من منكر ينكر ما حلّ بكم ويدفعه عنكم وينصركم