كلمته ، وبوجه كتابه وهي امّ جميع الكتب (لَدَيْنا لَعَلِيٌ) على الكلّ لا أعلى منه (حَكِيمٌ) ذو حكم أو محكم لا يتطرّق الخلل والشّكّ والرّيب والفساد اليه ، وعن الصّادق (ع): هو أمير المؤمنين (ع) في امّ الكتاب يعنى الفاتحة فانّه مكتوب فيها في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : الصّراط المستقيم هو أمير المؤمنين (ع) ومعرفته ، ولا منافاة بين هذا الخبر وبين ما ذكرنا في تفسير الآية فانّ عليّا (ع) والقرآن في هذا العالم منفكّان والّا ففي العوالم العالية علىّ (ع) هو القرآن والقرآن هو علىّ (ع) ، كما انّ فاتحة الكتاب في العوالم العالية هي النّفوس الكلّيّة والعقول الكلّيّة وهي المشيّة الّتى بها تحقّق كلّ ذي حقيقة (أَفَنَضْرِبُ) الهمزة على التّقديم والتّأخير والمعنى جعلناه قرآنا عربيّا لتعقّلكم واستكمالكم فهل نضرب (عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) اى اعراضا ونصرفه الى غيركم ، أو المستفهم عنه مقدّر بعد الهمزة والمعنى أنهملكم ولا ندعوكم فنصرف عنكم القرآن (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) قرئ بفتح الهمزة بتقدير اللّام وبكسر الهمزة (وَكَمْ أَرْسَلْنا) يعنى لا تطمعوا في صرف الذّكر عنكم وعدم دعوتكم فانّا ما اهملنا الأمم الماضية مع انّهم كانوا اشدّ منكم إسرافا وعصيانا وأرسلنا فيهم رسلا ولمّا تجاوزوا الحدّ في العصيان أهلكناهم فاحذروا عن عذابنا وإهلاكنا ولا تتجاوزوا الحدّ في العصيان (مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما تستهزؤن أنتم ان كان الخطاب للمشركين ، ويجوز ان يكون الخطاب مصروفا الى محمّد (ص) ويكون المقصود تسليته والمعنى كما يستهزئ قومك بك (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) يجوز ان يكون الضّمير المجرور للاوّلين ، ويكون من تبعيضيّة أو تفضيليّة يعنى أهلكنا اشدّاءهم فليحذر الّذين يستهزؤن برسولنا ، أو أهلكنا الّذين كانوا اشدّ منهم فكيف بهم وبكم؟! ويجوز ان يكون لقوم محمّد (ص) وكان المقصود أهلكنا الاوّلين الّذين كانوا اشدّ من قومك فكيف بهم ان فعلوا مثل فعلهم؟! لكنّه ادّاه بهذه الصّورة لافادة هذا المعنى مع الاختصار (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) يعنى مضى صفة الاوّلين وقد بلغ النّوبة الى قومك أو مضى حكاية حال الاوّلين فيما أنزلنا إليك سابقا فليرجعوا اليه وليتدبّروا فيه (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) فما لهم يقرّون بانّ الله خالق السّماوات والأرض ويشركون به ما خلقوهم ونحتوهم بأيديهم ، أو يشركون ما خلقه بيده (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) هذه الكلمة ضمّه الله الى ما حكاه منهم سواء جعل صفة للعزيز العليم أو خبرا لمحذوف فانّه قد يضمّ الحاكي شيئا من نفسه الى الحكاية ، أو هو أيضا جزء الحكاية ويكون الخطاب من بعضهم لبعض آخر (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) تسلكونها الى مقاصدكم ولا تتحيّرون في بيدائها (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى حاجاتكم ومقاصدكم ، أو لعلّكم تهتدون الى مبدئكم وصفاته من العلم والقدرة والرّأفة والتّدبير ، أو تهتدون الى إمامكم الّذى هو سبيل الى المقصد الكلّىّ الّذى هو الفوز بنعيم الآخرة فانّه لم يدع مقاصدكم الدّنيويّة الدّانية الّتى لا اعتناء بها بدون السّبيل الّذى يسلك إليها فكيف يدع المقصد الكلّىّ من غير سبيل (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ) من جهة العلو أو من السّحاب (ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ) التفات الى التّكلّم تجديدا لنشاط السّامع واشعارا بانّ إنبات النّبات بكيفيّات مخصوصة وتصويرات عديدة عجيبة وتوليدات غريبة ليس الّا من مبدء عليم قدير مباشر له فكأنّه صار في حكاية إنبات النّبات حاضرا عند السّامع مشهودا له بعد ما كان غائبا عنه (بَلْدَةً مَيْتاً) عن النّبات (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) من الأرض بعد موتكم فلم تستغربون الاعادة؟! (وَالَّذِي خَلَقَ