بذلك الفرار من قبح عبادة غير الله ولم يعلموا انّ فاعليّة المشيّة أو سببيّتها للأشياء ليست بحيث يسلب الاختيار عنهم ويرفع القبح عن فعلهم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) اى من قبل القرآن أو من هذا القول (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) يعنى ليس لهم علم تحقيقىّ بمعنى هذا القول ولا علم تقليدىّ وليس لهم سوى الخرص والخرص والتّخمين في باب العقائد مطرود عن باب الله وقد سبق في سورة الانعام بيان لهذه الآية عند قوله تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (الآية) (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) اى على طريقة وملّة (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) يعنى انّهم ما علموا تحقيقا ولا علموا تقليدا ممّن يصحّ تقليده بل قلّدوا آباءهم الّذين لا يجوز لهم تقليدهم ولذلك قال في موضع آخر : أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) تسلية له (ص) بانّ هذا كان ديدن النّاس قديما وجديدا وقد كان الأنبياء السّابقون (ع) مبتلين بأمثال هؤلاء ، وتخصيص المترفين بالذّكر لانّهم هم الّذين كانوا يعارضون الأنبياء والأولياء (ع) ، وامّا غيرهم فليس نظرهم الّا إليهم (قالَ) النّذير لهم (أَ) تقلّدون آباءكم (وَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما قالوا؟ فقال تعالى : قالوا (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) ولو كان أهدى ممّا وجدنا عليه آباءنا (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بأنواع النّقم الّتى ذكرنا بعضها لك (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : اذكر أو ذكّر إذ جعلوا لله من عباده جزء وجعلوا له بنات حتّى يتنبّهوا بقبحه واذكر إذ قالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ، وأظهر قبح هذا القول لهم حتّى يتنبّهوا ، واذكر إذ أرسلنا في كلّ قرية نذيرا فكذّبوه فأهلكناهم حتّى تتسلّى عن تكذيبهم ، واذكر إذ قالوا انّا وجدنا آباءنا على أمّة وأظهر قبح هذا القول لهم واذكر إذ قال إبراهيم (لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) حتّى يكون أسوة لقومك في التّبرّى عن التّقليد لمن لا يجوز تقليده ، ويكون أسوة لهم في التّقليد ان أرادوا التّقليد فانّه جعل التّبرّى عن تقليد من لا يجوز تقليده كلمة باقية في عقبه ، ويكون أسوة لك في عدم الاعتناء بالقوم وشدّة إنكارهم ، وفي إظهار دعوتك وعدم الاعتداد بردّهم وقبولهم (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) الى ما هو بغية الإنسان (وَجَعَلَها) اى كلمة التّبرّى عن تقليد من لا يجوز تقليده أو جعل كلمة التّوحيد (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) اى ذرّيّته أو أمّته أو من يأتى في عقبه من ذرّيّته وذرّيّة أمّته (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) من جهلهم الّذى كانوا مفطورين عليه وهؤلاء ممّن أتوا على عقبه فليأخذوا بتلك الكلمة وليرجعوا من جهلهم وتقليدهم لمن لا يجوز تقليده ، وقد فسّر تلك الكلمة الباقية في أخبارنا بالامامة وانّها باقية في عقب الحسين (ع) ، وفسّر قوله تعالى لعلّهم يرجعون برجوع الائمّة الى الدّنيا (بَلْ) ليس بقاؤهم على طريقتهم الباطلة لاعتمادهم على تقليد آباءهم وتمسّكهم به ولكن (مَتَّعْتُ هؤُلاءِ) قريشا (وَآباءَهُمْ) بالتّمتّعات الحيوانيّة من غير منذر لهم من البلايا والمصائب ومن الأنبياء (ع) فسكنوا الى تلك التّمتّعات واطمأنّوا بها (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) اى الولاية (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر رسالته وصدقه فيها ، أو مظهر رسالته (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) المنذر عمّا اطمأنّوا به ورأوه مخالفا لما تمرّنوا عليه أنكروه وطلبوا ما اسندوا إنكارهم اليه و (قالُوا هذا) الّذى يدّعى انّه كتاب سماوىّ إلهىّ ، أو هذا الّذى يدّعيه من الرّسالة من الله ، أو هذا الّذى يظهر من خوارق العادات (سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ