وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) مكّة والطّائف (عَظِيمٍ) لمّا لم يروا عظمة وشرفا الّا ما هو بحسب الانظار الحسّيّة من الشّرافات الدّنيويّة من الحسب والنّسب والخدم والحشم وكثرة المال والأولاد ولم يكن لمحمّد (ص) شيء من ذلك أنكروا نزول الكتاب من الله عليه وقالوا : لو كان الله ينزل كتابا ويرسل رسولا فليرسل الى رجل شريف عظيم القدر كالوليد بن المغيرة بمكّة وعروة بن مسعود بالطّائف ولينزل الكتاب الى أحدهما ، لكنّهم لم يعلموا انّ الرّسالة منصب روحانىّ والشّرافة الصّوريّة لا تبلغ الرّجل الى ذلك المنصب ان لم تكن تمنعه منه (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) في الاستفهام واضافة الرّبّ الى محمّد (ص) دونهم انكار وتحقير لهم واستهزاء بهم (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يعنى انّ معيشتهم الّتى هي من مكسوباتهم ومحسوساتهم ولهم بحسب الظّاهر اختيار في تحصيلها لا صنع لهم فيها بل نحن قسمناها بينهم فكيف يقسمون النّبوّة الّتى هي رحمة من الله غير محسوسة لهم ولا صنع ولا اختيار لهم فيها (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) في المراتب الدّنيويّة والمناصب الظّاهرة (دَرَجاتٍ) فكيف نكل هذا المنصب العظيم الى آرائهم (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) السّخرىّ اسم مصدر من سخر به ومنه ، وهكذا السّخريّة والسّخرىّ بكسر السّين ، ولعلّه هاهنا من مادّة التّسخير واسم له بمعنى التّذليل (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من الأموال والأولاد والاعراض ، وفي خبر : الا ترى يا عبد الله كيف اغنى واحدا وقبّح صورته وكيف حسّن صورة واحد وأفقره ، وكيف شرّف واحدا وأفقره ، وكيف اغنى واحدا ووضعه؟! ثمّ ليس لهذا الغنىّ ان يقول : هلّا أضيف الى يساري جمال فلان ، ولا للجميل ان يقول : هلّا أضيف الى جمالي مال فلان ، ولا للشّريف ان يقول : هلّا أضيف الى شرفى مال فلان ، ولا للوضيع ان يقول : هلّا أضيف الى ضعتى شرف فلان ، ولكنّ الحكم لله يقسم كيف يشاء وهو حكيم في أفعاله كما هو محمود في اعماله ، وذلك قوله تعالى : وقالوا : لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، قال الله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يا محمّد (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأحوجنا بعضهم الى بعض ، أحوج هذا الى مال ذلك ، وأحوج ذلك الى سلعة هذا والى خدمته فترى اجلّ الملوك واغنى الأغنياء محتاجا الى أفقر الفقراء في ضرب من الضّروب امّا سلعة معه ليست معه وامّا خدمة تصلح لما لا يتهيّأ لذلك الملك ان يستغنى الّا به ، وامّا باب من العلوم والحكم هو فقير الى ان يستفيدها من ذلك الفقير وهذا الفقير محتاج الى مال ذلك الملك الغنىّ ، وذلك الملك يحتاج الى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثمّ ليس للملك ان يقول : هلّا اجتمع الى مالي علم هذا الفقير ، ولا للفقير ان يقول : هلّا اجتمع الى رأيى وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنىّ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) اى لو لا كراهة ذلك (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) بالتّوسعة في أموالهم حتّى يجعلوا سقف بيوتهم فضّة (وَمَعارِجَ) من فضّة (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) السّطوح (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) من فضّة (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً) زينة من غير ذلك يعنى لو لا ان يكونوا كلّهم كفّارا لجعلنا ذلك لانّ الكافر مخذول منّا ومكروه لنا ولم نرد منه توجّهه إلينا ، ولو لا مراعاة حال من في وجوده استعداد الايمان لوسّعنا عليه في دنياه بحيث لا يغتمّ آنا بشيء من دنياه حتّى لا يتوجّه إلينا ولكن لمراعاة حال المستعدّين للايمان جعلنا في الكفّار غنى وفقرا كما انّ في المؤمنين غنى وفقرا ، وعن الصّادق (ع) قال الله عزوجل : لو لا ان يجد عبدي المؤمن في نفسه (١) لعصّبت الكافر بعصابة من ذهب ، وعن النّبىّ (ص): يا معشر المساكين طيبوا وأعطوا الله الرّضا من قلوبكم يثبّتكم الله عزوجل على فقركم فان
__________________
(١) اى كراهة منّى.