الدّاخلة والخارجة (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) لا خسران المال الّذى هو مغاير معكم ولا نسبة بينه وبينكم الّا بمحض الاعتبار الّذى اعتبره الشّرع أو العرف (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) استعمال الظّلل الّتى هي ما تظلّك فيما كان تحت الاقدام امّا من باب المشاكلة أو من جهة انّها ظلل لمن تحتها (ذلِكَ) المذكور من الخسران أو من التّظليل بالظّلل من النّار (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) قوله تعالى الا ذلك هو الخسران ممّا امر الرّسول (ص) ان يقوله ، أو ابتداء كلام من الله ، أو قوله لهم من فوقهم ابتداء كلام منه أو قوله ذلك يخوّف الله ابتداء كلام منه ، أو قوله يا عباد فاتّقون ابتداء كلام منه (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) مقابل قوله الّذين خسروا وفي موقع انّ الرّابحين كذا لكنّه عدل الى هذا لبيان ما فيه الرّابح (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل من الطّاغوت (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى) ولمّا كان الطّاغوت مفسّرة ببعض أعداء علىّ (ع) فليكن المراد بالانابة الى الله التّوبة على يد علىّ (ع) والبيعة معه وهو كذلك لانّ الرّجوع الى الله ليس الّا بالسّير الى طريق القلب ، ولا يعلم طريق القلب ولا يفتح الّا بالولاية الّتى هي البيعة على يد ولىّ الأمر ، والأصل في ذلك هو علىّ (ع) (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وضع الظّاهر موضع المضمر تشريفا لهم بإضافتهم اليه وترغيبا وتوصيفا لهم بوصف مدح تشويقا لهم الى ذلك الوصف والاهتمام بالعبوديّة.
بيان اتّباع أحسن القول وتحقيقه
واعلم ، انّ القول يطلق على الأقوال اللّفظيّة والأقوال النّفسيّة والكلمات الوجوديّة الّتى هي بالنّسبة الى الله تعالى كالاقوال النّفسيّة بالنّسبة إلينا واللّام في القول امّا للجنس ولمّا لم يكن استماع الجنس الّا في ضمن الإفراد فالمراد به امّا استغراق الإفراد بنحو العموم الجمعىّ أو بنحو العموم البدلىّ لكن مع التّقييد بما يخرجه عن المحاليّة ويكون المعنى والتّقدير : الّذين يستمعون جميع الأقوال الّتى يتّفق سماعها لهم ، أو الّذين يستمعون كلّ قول يتّفق سماعه لهم بقرينة الحال وتقدّم الاستماع ، أو المراد به فرد منكّر من القول ويكون المعنى والتّقدير : الّذين يستمعون قولا منكّرا لا يمكن تعريفه وهو قول الولاية وهذا الوجه بحسب اللّفظ بعيد ، أو اللّام فيه للعهد والمنظور من القول المعهود هو علىّ (ع) وولايته ، ولمّا كان الأقوال دوالّ المعاني لم يكن المنظور منها ومن حسنها الّا حسنها بحسب المدلولات لانّ الدّالّ على الشّيء لا يحكم عليه ولا به من حيث انّه دالّ كما انّ الاسم من حيث انّه اسم لا يحكم عليه ولا به فعلى هذا لم يكن المقصود من حسن الأقوال حسنها بحسب ألفاظها بل حسنها بحسب مدلولاتها ، والمقصود من اتّباع الأحسن ان كان المراد من القول الاستغراق اتّباع أوامره ونواهيه بالامتثال والانتهاء ، والاتّعاظ بمواعظه ونصائحه ، والاعتبار بحكاياته وأمثاله ، ولمّا لم يمكن لكلّ أحد اتّباع الأحسن المطلق فالمراد بالأحسن الأحسن بالاضافة فانّه ورد في الكتاب والسّنّة الأمر بالاقتصاص من المسيء والأمر بكظم الغيظ والصّفح اى عدم الحقد على المسيء والإحسان اليه وهذه أو امر اربعة مترتّبة في الفضيلة ويأمر النّفس بالاقتصاص والزّيادة على إساءته ، ومن النّاس من لا يمكنه كظم الغيظ فان امر بكظم الغيظ كان امرا بالمحال فالأحسن في حقّه الاقتصاص وعدم التّجاوز منه الى الزّيادة ، فلو استمع سامع تلك الأقوال الخمسة وميّز بين حقّها وباطلها وحسنها وأحسنها بالاضافة اليه واتّبع ما هو أحسن بالنّسبة اليه كان ممّن استمع القول واتّبع أحسنها سواء كان ممّن كان الأحسن بالنّسبة اليه القصاص أو كظم الغيظ أو الصّفح والإحسان الى المسيء ، أو المراد اتّباع أحسنه بحسب حكايته فانّ الحكاية بلفظه أحسن من الحكاية بمعناه ، والحكاية بالمعنى بالإتيان بتمام المعاني أحسن من الحكاية ببعض معانيه كما عن الصّادق (ع) هو الّذى يسمع الحديث فيحدّث به كما سمعه ، لا يزيد فيه ولا ينقص منه، وهذا أحد وجوه الآية ، أو المقصود