اليم أو حال بتقدير القول من الله ، أو من الملائكة ، أو من النّاس.
اعلم ، انّ وقت الاحتضار يرى دخان من الباطن بين السّماء والأرض ولذلك ورد انّ الدّخان من أشراط السّاعة فانّه روى انّ اوّل آيات السّاعة الدّخان ونزول عيسى (ع) ونار تخرج من قعر عدن أبين (١) تسوق النّاس الى المحشر ، قيل : وما الدّخان؟ فتلا رسول الله (ص) هذه الآية وقال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، امّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزّكام وامّا الكافر فهو كالسّكر ان يخرج من منخريه وأذنيه ، وقيل : انّ رسول الله (ص) دعا على قومه لمّا كذّبوه فأجدبت الأرض والمراد بيوم تأتى السّماء بدخان مبين ذلك القحط فانّ الجائع يرى بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من ضعف بصره ، أو لانّ الهواء يظلم عام القحط لقلّة الأمطار وكثرة الغبار ، أو لانّ العرب يسمّى الشّرّ الغالب دخانا وكان قحطهم بحيث أكلوا جيف الكلاب وعظامها (رَبَّنَا اكْشِفْ) حال أو جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول (عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) بك أو برسولك أو بخليفته أو باليوم الآخر (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) جواب سؤال مقدّر ، أو حال بتقدير القول (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الصّدق أو مظهر لصدقه (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ) يعلّمه ما يقول غلام أعجميّ لبعض ثقيف (مَجْنُونٌ) يعنى لم يكن براهين صدق الرّسول (ص) باقلّ من معاينتهم فكما تولّوا عنه مع براهينه يتولّون بعد ذلك أيضا مع معاينتهم يعنى انّ بعضهم قالوا : هو معلّم ، وبعضهم قالوا : هو مجنون بعد ما رأوا منه شبه الغشي حين نزول الوحي (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) جواب لسؤالهم (قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) الى الإنكار ان كان المراد عذاب القحط وقد رفع القحط وعادوا الى الإنكار كما قيل ، أو المعنى انّا كاشفوا عذاب الموت وعذاب الدّخان قليلا لانّكم عائدون إلينا ان كان المراد عذاب الاحتضار (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) اى يوم القيامة أو يوم بدر (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا) وابتلينا (قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بأنواع العذاب التّسعة (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) اى كريم الأخلاق والأفعال ، أو كريم الأصل والآباء ، لانّه كان من أولاد الأنبياء (ع) ، أو كريم عند الله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) اى جاءهم بهذه الرّسالة الّتى هي قوله : أدّوا الىّ بنى إسرائيل على ان يكون عباد الله مفعولا به ، أو أدّوا الىّ أماناتكم الّتى هي وديعة من الله عندكم من الاستعدادات المودعة فيكم للتّرقّى الى الله ويكون عباد الله حينئذ منادى (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) بالاستعلاء على خليفته (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) لصدقى وهو يده وعصاه ، فلمّا قال ذلك توعّدوه بالقتل والرّجم كما قيل ، فقال (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) بالحجارة ، وقيل : بالشّتم (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) ولم تصدّقونى فلا تؤذوني فانّ إيذائي موجب لعذاب اليم لكم لا مدفع عنه قال ذلك رحمة عليهم (فَاعْتَزِلُونِ فَدَعا رَبَّهُ) بعد ما بالغ غاية جهده في نصحهم ومضى على ذلك سنون وابتلوا مرارا وكانوا كلّما ابتلوا وعدوه بإرسال بنى إسرائيل وترك استعبادهم وبالايمان به ، وكلّما نجوا من العذاب نقضوا عهدهم ، فلمّا رأى انّه لا ينفع فيهم النّصح ولا الابتلاء دعا ربّه (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) تعريض بعذابهم وهلاكهم ولذلك قال : دعا ربّه (فَأَسْرِ) يعنى فأجبناه الى مسئوله وأردنا إهلاكهم فقلنا له أسر (بِعِبادِي) يعنى بنى إسرائيل (لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) يتّبعكم القبطيّون (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) اى ساكنا على هيئته الّتى عبرته ولا تضر به بعصاك حتّى ينطبق
__________________
(١) ـ الابين بسكون الموحدة وفتح الياء المثناة من تحت رجل ينسب اليه عدن.