مِنْ عِلْمٍ) يعنى انّ قولهم هذا باطل أصلا وهم ملومون عليه لبطلانه ، وهم ملومون أيضا على التّفوّه بما ليس لهم به علم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) والقول بالظّنّ والشّكّ قبيح وصاحبه ملوم ، فالويل ثمّ الويل لمن قال بالظّنّ والقياس من غير اذن واجازة من الله!. ثمّ قال : هذا من عند الله وهو حكم الله في حقّى وحقّ مقلّدى! وقد سبق منّا مكرّرا انّ الاذن والاجازة الصّحيحة يجعل الظّنّ قائما مقام العلم بل يجعله أشرف من العلم كما شوهد من إجازات القلندريّة وتأثير المنطريّات مغلوطة بعد الاجازة ، وعدم تأثيرها صحيحة بدون الاجازة ، قيل : انّ هذا ظنّ شكّ ونزلت هذه الآية في الدّهريّة وجرت في الّذين فعلوا ما فعلوا بعد رسول الله (ص) بأمير المؤمنين (ع) وأهل بيته وانّما كان ايمانهم إقرارا بلا تصديق خوفا من السّيف ورغبة في المال ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : لا تسبّوا الدّهر فانّ الله هو الدّهر ، يعنى انّ الله هو الدّهر الّذى ينسبون الحوادث اليه ويسبّونه لاحداث الحوادث الغير الملائمة (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات الدّلالات أو موضحات لصدق الآتي بها وموضحات لحالهم الّتى هم عليها (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) في المعارضة مع الرّسول وفي انكار تلك الآيات (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعنى علّقوا علامة صدقهم على الإتيان بالمحال بحسب العادة (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعنى قل الإتيان بآبائكم فعل الله كما انّ إماتتهم كان فعله ، ويفعل هذا الفعل ويأتى بآبائكم في يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) قد مضى في اوّل البقرة معنى عدم الرّيب في الكتاب وفي القيامة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لعدم تفكّرهم في المغيبات وقصور نظرهم على المحسوسات والّا فهم يشاهدون عالم الآخرة في المنام ، والنّوم أنموذج الموت فليعلموا ان ليس خروج النّفس عن البدن بالموت الّا مثل خروجها عنه بالنّوم فكما كان يبقى بعد النّوم في عالم آخر فكذا بعد الموت (وَلِلَّهِ) لا لغيره (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما فلا يقدر أحد غيره على إيتاء الأموات (وَيَوْمَ تَقُومُ) عطف على محذوف اى في الدّنيا ويوم تقوم (السَّاعَةُ) أو ظرف ليخسر ويكون قوله (يَوْمَئِذٍ) تأكيدا له (يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) وإذا كان عامّا فالرّؤية مقيّدة بيوم القيامة وان كان خاصّا فالمعنى ترى في الحال الحاضرة فانّه يرى في الدّنيا ما يراه غيره في القيامة (جاثِيَةً) جثى كدعا ورمى جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) صحيفة أعمالها (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) نفس ما كنتم تعملون أو جزاءه (هذا كِتابُنا) بتقدير القول حالا أو مستأنفا (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) فانّ الكتاب الاخروىّ حىّ ناطق كما انّ الأعضاء في الآخرة تنطق ، أو المراد يشهد عليكم بما فيه من ثبت أعمالكم (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وسئل الصّادق (ع) عن هذه الآية فقال : انّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله (ص) هو النّاطق بالكتاب قال الله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ فقيل : انّا لا نقرؤها هكذا ، فقال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمّد (ص) ولكنّه ممّا حرّف من كتاب الله ولعلّه (ع) قرئ ينطق مبنيّا للمفعول ، وسئل أيضا عن : ن والقلم ، قال انّ الله خلق القلم من شجرة في الجنّة يقال لها الخلد ، ثمّ قال لنهر في الجنّة : كن مدادا فجمد النّهر وكان اشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من الشّهد ، ثمّ قال للقلم : اكتب ، قال : يا ربّ ما اكتب؟ ـ قال : اكتب ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة ، فكتب القلم في رقّ اشدّ بياضا من الفضّة وأصفى من الياقوت ، ثمّ طواه فجعله في ركن العرش ثمّ ختم على فمّ القلم فلم ينطق ولا ينطق أبدا فهو الكتاب المكنون الّذى منه النّسخ ، أو لستم عربا فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟! وأحدكم يقول لصاحبه : انسخ ذلك الكتاب ، أو ليس انّما