ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام ، فقبلوا ذلك ، فلمّا أجابهم رسول الله (ص) الى الصّلح أنكر عامّة أصحابه واشدّ ما كان إنكارا عمر ، فقال : يا رسول الله (ص) السنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ ـ فقال : نعم ، فقال : فنعطى الذّلّة في ديننا ، فقال : انّ الله عزوجل قد وعدني ولن يخلفني ، قال : ولو انّ معى أربعين رجلا لخالفته ، ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف الى قريش فأخبراهم بالصّلح ، فقال عمر : يا رسول الله (ص) ، الم تقل لنا ان ندخل المسجد الحرام ونحلّق مع المحلّقين؟! فقال : أمن عامنا هذا وعدتك؟! قلت لك : انّ الله عزوجل قد وعدني ان افتح مكّة وأطوف وأسعى واحلّق مع المحلّقين ، فلمّا أكثروا عليه قال لهم : ان لم تقبلوا الصّلح فحاربوهم ، فمرّوا نحو قريش وهم مستعدّون للحرب وحملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول الله (ص) هزيمة قبيحة ومرّوا برسول الله (ص) ، فتبسّم رسول الله (ص) ثمّ قال : يا علىّ (ع) ، خذ السّيف واستقبل قريشا فأخذ أمير المؤمنين (ع) سيفه وحمل على قريش فلمّا نظروا الى أمير المؤمنين (ع) تراجعوا ثمّ قالوا : يا علىّ (ع) بدا لمحمّد (ص) فيما أعطانا؟ ـ فقال : لا ، وتراجع أصحاب رسول الله (ص) مستحيين وأقبلوا يعتذرون الى رسول الله (ص) ، فقال لهم رسول الله (ص) : ألستم أصحابي يوم بدر إذ انزل الله عزوجل فيكم ، (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)؟ ـ ألستم أصحابي يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون عنى أحد والرّسول يدعوكم في أخريكم ، ألستم أصحابي يوم كذا؟ ـ ألستم أصحابي يوم كذا؟ ـ فاعتذروا الى رسول الله (ص) وندموا على ما كان منهم وقالوا : الله اعلم ورسوله ، فاصنع ما بدا لك ورجع حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو الى رسول الله (ص) ، فقالا : يا محمّد (ص) قد أجابت قريش الى ما اشترطت من إظهار الإسلام وان لا يكره أحد على دينه ، فدعا رسول الله (ص) بالمكتب ودعا أمير المؤمنين (ع) وقال له : اكتب ، فكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقال : سهيل بن عمرو : لا نعرف الرّحمن ، اكتب كما كان يكتب آباؤك باسمك اللهمّ ، فقال رسول الله (ص) : اكتب باسمك اللهمّ فانّه اسم من أسماء الله ، ثمّ كتب : هذا ما تقاضى عليه محمّد رسول الله (ص) والملأ من قريش ، فقال سهيل بن عمرو : لو علمنا انّك رسول الله (ص) ما حار بناك ، اكتب هذا ما تقاضى عليه محمّد بن عبد الله ، أتأنف من نسبك يا محمّد (ص)؟ ـ فقال رسول الله (ص) : انا رسول الله (ص) وان لم تقرّوا ، ثمّ قال : امح يا علىّ (ع) واكتب محمّد بن عبد الله ، فقال أمير المؤمنين (ع) : ما أمحو اسمك من النّبوّة أبدا ، فمحاه رسول الله (ص) بيده ، ثمّ كتب : هذا ما اصطلح محمّد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين على ان يكفّ بعضنا عن بعض ، وعلى انّه لا اسلال ولا أغلال وانّ بيننا وبينهم غيبة مكفوفة ، وانّ من احبّ ان يدخل في عهد محمّد (ص) وعقده فعل ، ومن احبّ ان يدخل في عهد قريش وعقدها فعل ، وانّه من أتى محمّدا (ص) بغير اذن وليّه ردّه اليه ، وانّه من أتى قريشا من أصحاب محمّد (ص) لم تردّه اليه ، وان يكون الإسلام ظاهرا بمكّة ولا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعيّر ، وانّ محمّدا (ص) يرجع منهم عامه هذا وأصحابه ثمّ يدخل علينا في العام المقبل مكّة فيقيم فيها ثلاثة ايّام ولا يدخل عليها بسلاح الّا سلاح المسافر ، السّيوف في القراب ، وكتب علىّ بن ابى طالب (ع) وشهد الكتاب المهاجرون والأنصار ، ثمّ قال رسول الله (ص) : يا علىّ (ع) انّك أبيت ان تمحو اسمى من النّبوّة فو الّذى بعثني بالحقّ نبيّا لتجيبنّ أبناءهم الى مثلها وأنت مضيض (١) مضطهد (٢) ؛ فلمّا كان يوم صفّين ورضوا بالحكمين كتب : هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) ومعاوية بن ابى سفيان ، فقال عمرو بن العاص : لو علمنا انّك أمير المؤمنين (ع) ما حاربناك ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه علىّ بن ابى طالب (ع) معاوية بن ابى سفيان ، فقال أمير المؤمنين (ع) : صدق الله وصدق رسوله أخبرني رسول الله (ص) بذلك ، فلمّا كتبوا الكتاب قامت خزاعة
__________________
(١) مض مضيضا آلمه وأوجعه ـ أحرقه وشقّ عليه.
(٢) اضطهده قهره ، أذاه بسبب المذهب.