قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) على التّخلّف أو مطلقا (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فاحذروا ممّا تعملون (بَلْ ظَنَنْتُمْ) يعنى ليس شغلتكم أموالكم واهلوكم بل خفتم عن قريش لانّكم ظننتم انّهم يغلبون ويقتلون محمّدا (ص) وأصحابه و (أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ) اى استحكم ذلك (فِي قُلُوبِكُمْ) بحيث لا تحتملون غيره (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) بالله ورسوله (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) هالكين عن الحيوة الانسانيّة (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) وظنّ لهما ظنّ السّوء (فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر لذمّ آخر لهم وللاشعار بعلّة الحكم (سَعِيراً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) بحسب استعداد كلّ فانّ مشيّته ليست جزافيّة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ترجيح لجانب الرّجاء واشعار بانّ المغفرة والرّحمة ذاتيّة له ، والتّعذيب داخل في قضائه بالقصد الثّانى (سَيَقُولُ) لكم (الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ) كمغانم خيبر (لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) يعنى قوله انّ الخارجين الى مكّة المصدودين عن طواف البيت مخصوصون بمغانم خيبر بدلا من دخول مكّة أو قوله انّ المتخلّفين لا يتّبعوكم في مغانم خيبر (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) أتى بنفي التّأبيد مكان النّهى اشارة الى تحقّقه وتأكيدا له (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) انّكم لا تكونون معنا في مغانم خيبر (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) يعنى لا يدركون من امر الآخرة في المخاطبات الّا قليلا فلذلك يحملون قولكم ومنعكم على الحسد الّذى هي من أوصاف الدّنيا (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر تصريحا بذمّهم (مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) قيل : هم هوازن وثقيف (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) الغنيمة والجنّة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) يعنى عن الحديبيّة (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) لمّا أوعد المتخلّفين وذمّهم استثنى منهم في الذّمّ والإيعاد هؤلاء لئلّا يتوهّم انّهم موعدون (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) من غير المعذّرين أو من مطلق المسلمين (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات في آخر سورة النّساء (وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) تأكيد لمفهوم قوله (إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) وتعليل له (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ).
اعلم ، انّ رضا الله عن العبد ليس الّا حين رضا العبد عن الله ، وهل رضا العبد مقدّم أو رضا الله؟ ـ الاخبار وكلمات الأبرار في ذلك مختلفة ، ولعلّ أهل الشّهود منهم ما حقّقوا ذلك ولذلك أظهر بعضهم التّحيّر فيه وفي أمثاله. والتّحقيق انّ هذه المسألة دوريّة بمعنى انّ ذكر الله أو توبته أو رضاه مقدّم بحسب مرتبة منه على ما للعبد بحسب مرتبة منه وما للعبد مقدّم على ما لله بحسب مرتبة اخرى بل التّحقيق انّ ما للعبد عين ما لله لكن نسبته الى الله مقدّمة في نفس الأمر على نسبته الى العبد لكن اعتبار تلك النّسبة يختلف بحسب حال النّاظر ، فمن كان نظره الى الله مقدّما على نظره الى نفسه