الفصل السادس
في العلم بالشيء من وجه والجهل به من وجه (١)
وقد اختلف في ذلك :
فقال بعض أصحابنا : بجوازه ؛ فإنّه من علم وجود الجوهر ، وجهل تحيّزه ؛ فقد علم الشيء من وجه وجهله من وجه.
وقال القاضى أبو بكر : المعلوم من حيث هو معلوم يمتنع أن يكون مجهولا من وجه. ومن علم وجود الجوهر ؛ فمعلومه من حيث هو ذات ما ليس مجهولا من وجه ، والمجهول من التحيّز فأمر (٢) زائد على معلومه ؛ والمعلوم (٢) غير المجهول. أما أن يكون الشيء الواحد معلوما من وجه ومجهولا من وجه فلا (٣).
ومن أراد أن يكون الشّيء مجهولا من وجه ، ومعلوما من وجه ما ذكرناه ، فهو متجوّز ، ولا منازعة معه في غير الإطلاق والعبارة. والحقّ ما ذكره القاضى.
ثم اتفق المتكلمون على امتناع العلم بوجود شيء ، والجهل بوجود ذلك الشيء وأن يكون الشّيء مجهولا من جهة ما كان معلوما. وهذا إنّما يتم تحقيقه أن لو اتحدت جهة العلم والجهل من القوة والفعل ؛ بأن يكون معلوما مجهولا بالفعل ، أو بالقوة.
وأما إن اختلفت الجهتان : فلا يمتنع أن يكون الشّيء معلوما بالقوة ، مجهولا بالفعل مع اتحاده : وذلك كما إذا علمنا علما كلّيا عاما : أنّ كل اثنين فهو زوج ، واتفق أن كان ما في يد زيد اثنان فقد علمنا كونه زوجا بالقوة ؛ لدخوله تحت عموم القضية الكلية.
وإذا جهلنا اثنيته : فقد جهلنا كونه زوجا بالفعل ؛ فالعلم به بالقوة ؛ للعلم بالقضية الكلية. والجهل به بالفعل ؛ للجهل بالقضية الجزئية.
__________________
(١) انظر المحصل للرازى ص ٧٠ ـ ٧١ والمواقف للإيجي ص ١٤٥.
(٢) فى ب (بأمر زائد على معلومه فالمعلوم).
(٣) فى ب (فلذا قال شيخنا أبو الحسن الآمدي).