الفصل السابع
في امتناع وجود علم لا معلوم له (١)
وقد اتفق العقلاء على امتناع وجود علم لا معلوم / له
وخالفهم أبو هاشم (٢) : فى العلم المتعلّق بالمستحيلات ؛ طردا لتحديد الشيء بأنه المعلوم ، فقال : العلم بامتناع اجتماع الضّدين ، (٣) وانتفاء شريك الإله (٣) ـ تعالى ـ ، وامتناع كون الجزء مساويا للكل ، ونحو ذلك ؛ علم لا معلوم له. مع موافقته على تعلق العلم بالمستحيلات ، وكوننا عالمين بها. فقد وافق في المعنى ، وخالف في اللفظ ؛ فإنّه لا معنى لكونها معلومة غير تعلّق العلم بها. وإلا فكيف يتصوّر وجود علم لا معلوم له؟ مع أن العلم والمعلوم من قبيل المتضايفين اللذين لا تعقّل لكل واحد منهما إلا مع تعقّل الآخر.
ولو ساغ ذلك ؛ لساغ القول بوجود معلوم بلا علم ولا عالم ، ووجود علم ولا عالم ، وذكر ولا مذكور ، وقدرة ولا مقدور ، إلى غير ذلك ؛ ولم يقل به قائل. وكل ما يتخيل في منع الانفكاك في هذه الصور ؛ فهو لازم فيما نحن فيه.
وقد قيل في إبطاله أيضا : أنّ العلم باستحالة اجتماع الضدين ؛ علم بالضدين ؛ وهما معلومان. والعلم باستحالة وجود شريك البارى ـ تعالى ـ علم بوجود البارى ؛ وهو معلوم. وكذا العلم بكل استحالة لا بدّ وأن يكون العلم فيها متعلقا بمعلوم ؛ فإطلاق القول بأنّ علما لا معلوم له محال ؛ لكنه (٤) مبنى على القول بأن كلّ أمرين لا يتصور (٥) العلم بأحدهما (٦) ، مع الجهل بالآخر ؛ فالعلم بهما واحد ؛ وقد عرف (٧) ما فيه.
ثم لو قال أبو هاشم : المراد بهذا الإطلاق : أنّه ليس كل ما تعلق به العلم يكون معلوما ، كالاستحالة لا غيرها ؛ لاندفعت هذه المؤاخذة اللفظية.
__________________
(١) انظر المحصل للرازى ص ٧١ ـ ٧٢. والمواقف للإيجي ص ١٤٧ ، ١٤٨.
(٢) عبد السّلام بن محمد بن عبد الوهّاب الجبائى (أبو هاشم) من شيوخ المعتزلة وإليه تنسب الطائفة (البهشمية) ، له آراء انفرد بها ، وله مصنفات في الاعتزال ، وكان أبوه شيخا للجبائية التى نسبت إليه. ولد ببغداد سنة ٢٤٧ ه وتوفى بها سنة ٣٢١ ه. (وفيات الأعيان ٢ : ٥٣ ، الأعلام ٤ : ١٣٠).
(٣) فى ب (والشريك لله).
(٤) فى ب (ولكنه).
(٥) فى ب (يتصور).
(٦) فى ب (بآخر).
(٧) فى ب (عرفت). انظر ل ١٠ / ب.