وإن كان الثانى : فلا بد من تمييز الشّكّ عن الاسترابة ؛ ولا سبيل إليه.
فالأقرب في ذلك أن يقال : الشّكّ هو القضاء بإمكان أمرين متقابلين ، لا ترجح لوقوع أحدهما على الآخر في النفس.
وهو مضاد للعلم ؛ لاستحالة كون الشخص عالما بشيء ، وشاكا فيه من جهة واحدة.
وأما أحكام الشّكّ :
فمنها (١) أنه لا بدّ وأن يتعلق بأمرين ؛ إذ هو تجويز أمرين لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، ولو قدّر أمران يمتنع وقوع الشك (١) في أحدهما دون الآخر ، أو يتصوّر وقوع الشّكّ في أحدهما دون الآخر ، فالخلاف في جواز تعلق الشّكّ الواحد فيه (٢) بالأمرين (٢) ، كالخلاف في العلم ، والاحتجاج كالاحتجاج.
ومنها : (٣) أنه قد يقع (٣) ضروريا ، غير مكتسب للعبد وقد (٤) يقع مكتسبا ، والخلاف في كونه مخلوقا له (٥) ، كالخلاف في الجهل.
ومنها : أنه لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية.
وأما الشّك في الله ـ تعالى ـ فقد قال الأستاذ أبو بكر ، وأبو هاشم (٦) لا يمتنع (٧) أن يكون مأمورا به ، بناء على أن النظر في معرفة الله ـ تعالى ـ واجب. وذلك لا يتم في العادة دون سابقة الشك ، وما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب.
ومنهم من خالف في ذلك ؛ لجواز وقوع النظر عقلا من غير سابقة شك ، وبتقدير امتناع خلو النظر عن سابقة الشك ، فليس كل ما يتوقف عليه المأمور يكون مأمورا ، لجواز أن لا يكون مقدورا (٨) : كالحياة.
وبتقدير أن يكون مقدورا ، فلا يكون مأمورا ؛ لجواز أن لا يكون (٨) حسنا. والشك في الله ـ تعالى ـ ليس بمقدور ولا حسن عنده ؛ فلا يكون مأمورا.
والواجب أن يقال : إن أريد بالشّك ابتداء حصوله ؛ فهو غير مأمور ؛ لكونه غير مقدور.
__________________
(١) من أول (فمنها أنه لا بدّ وأن يتعلق بأمرين ...) ساقط من ب.
(٢) في ب (في الأمرين).
(٣) في ب (قد يكون).
(٤) في ب (وقد).
(٥) في ب (للرب تعالى).
(٦) انظر الشامل ص ١٢١.
(٧) في ب (أنه لا يمتنع).
(٨) من أول (مقدورا كالحياة ...) ساقط من ب.