الفصل الأول
في حقيقة النّظر (١)
والنظر في وضع اللغة : قد يطلق بمعنى الانتظار ، والرؤية ، والرأفة ، والمقابلة ، والتفكر ، والاعتبار. كما يأتى تحقيقه في مسألة الرّوية إن شاء الله ـ تعالى (٢).
وأما في اصطلاح المتكلّمين : فالنّظر موضوع لبعض مسمّياته في اللغة : وهو التفكر والاعتبار ؛ فالمعنى واحد. وإن كان اللفظ مختلفا.
وأقرب ما قيل فيه من العبارات : ما قاله القاضى أبو بكر : من أن النظر : هو الفكر الّذي يطلب به من قام به علما ، أو غلبة ظن.
وقوله : هو الّذي يطلب به من قام به علما ، أو غلبة ظن. شرح لمعنى الفكر ؛ فإنه لما قال : النظر هو الفكر. كأنّ سائلا سأل وقال : فما الفكر؟
فقال : هو الّذي يطلب به من قام به علما ، / أو غلبة ظن. وقد قصد بقوله : يطلب به : الاحتراز عن سائر الصّفات المشروطة بالحياة ، وعن الحياة ؛ فإنه لو قال : هو الّذي يطلب من قام به علما ، أو غلبة ظنّ. ولم يقل به ؛ لانتقض بسائر هذه الصفات ؛ فإنّها قائمة بطالب العلم ، أو الظّن ، وليست فكرا.
وبقوله : علما ، أو غلبة ظنّ ، تعميم القاطع ، والظّنى.
ويرد عليه إشكالات أربعة :
الأول : أنه إذا كان النّظر ، هو الفكر. وذلك الفكر : هو ما يطلب به العلم ، أو الظّن ؛ فالنّظر : يطلب به العلم ، أو الظّن.
والظّن المطلوب بالنّظر ، ينقسم إلى : ما المظنون فيه على وفق الظّن ؛ فيكون حقا. وإلى ما هو على خلافه ؛ فيكون جهلا ؛ ويلزم من ذلك أن يكون الجهل مطلوبا بالنظر ؛ وهو ممتنع.
__________________
(١) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ج ١٢ ص ٤ وما بعدها وشرح الأصول الخمسة له أيضا ص ٤٤ وما بعدها ، وانظر الإرشاد للجوينى ص ٦ والمحصل للرازى ص ٢٣ والإحكام للآمدى ١ / ٨ ، ٩ ومنتهى السئول له أيضا ١ / ٤ وشرح المواقف ص ٨٢ ـ ٩٠ للجرجانى وشرح المقاصد ص ٢٣ ـ ٢٥ للتفتازانى.
(٢) انظر ل ١٢٣ / أ.